• اخر الاخبار

    ضوء الشمس ... مريم .. قصة قصيرة


                                                                  بقلم \ صباح خلف العتابي \ العراق

    ليس هناك حزن يفوق الحزن الذي يعتريه الان .. ( هو) "١" ... يرغب بالاستيقاظ لكنه لا يستطيع ذلك ..
    قبل ان يدخل غرفته ظهر هذا اليوم التموزي ، انتابه شعور ومنذ الصباح بأنه مراقب تماما .. وان هناك من يسايره في الشوارع يلاحقه قي كل خطواته ، وقد انزعج تماما من ذلك الالتصاق ويتمنى الان الخلاص من هذا الشعور المخيف ، كونه ملاحق ، مراقب .
    اخذ يدخل الازقة بادئ الامر ، ثم بدأ يهرول مبتعدا عن مجهول يستنزفه متعمدا ، في الحقيقة انه يفر الان خائفا من ذلك المجهول المتربص به على نحو ما ... فأستنجد بالناس بعد تعب من الفرار  :
    — ساعدوني .. ارجوكم ، هناك من يستهدف حياتي ..
    لا احد ينتبه اليه ..، ويبدو ان صوته لم يخرج من فمه .
    كان ( هو) يعيش سعيدا اغلب سنوات عمره السبعين ، لم يمر بوقت عصيب كهذا .. وانه ليتذكر نصيحة امه عندما كان صغيرا ، قالت له ذات يوم :
    — ولدي .. لاتدع الحزن يصيبك ..
    استغرق وقتا طويلا ليتعلم ان يكون غير مبال بأي شئ يعيق سعادته ورضاه .. اما اليوم فهذا الشبح  الغريب الذي يطارده الان يذبح ضحكته وقد اصابه بالذعر الكامل والجنون .. حيث علق الخوف داخله بكثافة ، وها(هو) يهرب من الالم النابت فيه كالسكين المدببة عميقا جدا ، وانه ليشعر بفتحة في الارض تدنو منه تريد ابتلاعه .. تلاحق اقدامه اينما اتجه .. وان شخصا مريبا يتبعه بأصرار يريد دفعه نحو تلك الهوة السحيقة المليئة بالظلمات كلها .
    اندفع هاربا نحو غرفته ، اغلق الباب بالمفتاح .. وظن انه آمن الان .. لكنه سرعان ما صدم بوجود شخص يلمع قابع على كرسي وسط الغرفة ..تعثر ، تلعثم مذهولا :
    — من انت ..؟؟ كيف دخلت ..؟؟؟
    ضحك الشخص بقهقهة مدوية :
    — انا الموت .. وقد حان رحيلك ...
    يشعر الان وكأنما شاحنة كبيرة صدمته بكل مافيها من حديد وسوته بالارض تماما ، وكأنما نيزك عظيم حط عليه محطما كل مالديه من رضا وسعادة ، متجاوزا كل حواجز الامل لديه .. نيزك اندفع عبر الفراغ الكوني ليحطمه الى الابد .. ويدفعه نحو فتحة الارض التي تلاحقه منذ صباح اليوم .
    استغرق وقتا كي يصحو ، يسترد انفاسه ، وبصوت مرتعش حاور صاحبه  :
    —  ومتى الرحيل الابدي ؟؟؟
    — اليوم .. عصر هذا اليوم .. ودّع من تٌحب .
    انه وحيد في هذه الدنيا.. لا احد لديه ... سوى ( مريم)٢ .
    مريم هذه الطفلة .. مدالية الذهب .. - كما يسميها- وقد ازدحم بالرعب مع طرقات على الباب عرفها على الفور انها
    ل(مريم ) وانها يبدو جاءت بوقت مناسب جدا للتوديع .. جاءت الاقدار بها وهاهي تدخل عليهما مشعة كالذهب تصدح بصحكتها المعهودة :
    — عمو .. ماذا بك ..؟؟ مع من تتحدث ؟!!!
    ادار بصره صوب الغريب .. لازال جالسا هناك بهيئته التي تملئ الكرسي بالكامل .. ازداد عجبا وارتباكا .. وايقن انه ملك الموت لاريب فيه وانه غير مرئي بالنسبة للطفلة فقط هو المرعوب فيه اذن .
    شعر بأنها الدقائق الاخيرةمن حياته
    — الايوجد تأجيل .. ؟؟؟
    — كلا ..
    — حل ما صيغة.. صيغة اخرى سوى الموت ؟؟
    — الحل الوحيد ، هو استبدالك بروح اخرى
    وافق الرجل فورا ، وفرح لهذا الحل غير المتوقع ..
    اذن لقد أٌتيحت له فرصة اخرى ليعيد رسم لوحة حياته المقبلة
    يريد الان ان ينعم بوجوده المتجدد للتو .. وان يحضن الطفلة ( مريم) ، يشبعها حبا ويغرقها حنانا ..
    قبل ان يغادر ملك الموت غرفته ، سأله الرجل بفضول :
    —. من يكون بديلي ؟؟
    — مرييييم
    قوالب من الموت نزلت على يافوخه فجأة .. سقط في هوة سوداء لاقرار لها .. رعب لامثيل له  نزل عليه بكل ثقل الدنيا وخوفها .. وانهار كليا ، وبأقدام متعثرة بدأ الرجل نفسه يلاحق ملك الموت غير خائف منه على الاطلاق ، رافضا تلك الصفقة غير العادلة فصاح به :
    —. انا مستعد الان ان اموت وفورا .. وان أُحرق الف مرة بدلا من مريم .. وغار في عوالم لا حدود لهل ...

    الهوامش ///
    (١) - (( هو)) :: بائع متجول يبيع الحلوى للاطفال في شوارع المدينة .. يعيش وحيدا .. وقد قرر ان تكون الطفلة مريم طفلته المدللة

    (٢) - ( مريم ) : ابنة الجيران ذات السبع سنين ، طفلة حلوة كأنها الشمس ، طيبة كأنها ثمرة من الجنة .. قد اعتبرها الرجل بمثابة ابنته ، وطالما اعطاها الحلوى بالمجان ... 

         
    ad728