• اخر الاخبار

    "العامل العراقي بين مطرقة البطالة وسندان الشركات النفطية."



    تقرير\ سندس الزبيدي

    لم يجني أبناء محافظة البصرة من خيراتها سوى الدمار والخراب والتهجير والامراض السرطانية التي تسببها انبعاثات الغازات من الحقول النفطية المحيطة بها وتكالب القوى السياسية الحاكمة في العراق على هذه البقعة لجعلها الممول الرئيسي لهم ولحركاتهم في ظل انتشار البطالة بين شبابها وكفاءاتها العلمية والسيطرة على مصادر القرار الذي نتج عنه بيع النفط العراقي عبر عقود جولات التراخيص السيئة الصيت الذي جعل من الشركات التحكم بهذه الثروة وأبناء المحافظة.
    الحق الذي منحته هذه العقود للشركات النفطية المستثمرة جعلتها تتحكم بالفرد والإنتاج مما شجع على استغلال العامل العراقي الذي يمتلك الكفاءة والعلمية مقابل العامل الأجنبي الذي يتقضى اضعاف ما يتقاضاه العامل العراقي.
    قصص واقعية نعيشها اليوم في ظل هذا التدهور القانوني الحكومي الذي تسبب باذلال العامل العراقي الذي يعمل في هذه الشركات دون حاسب او رقيب.
    ( ع.س.م) بصري يعمل في احد الشركات النفطية يروي معانته ومعاناة العامل العراقي الذي اضطر للقبول ان يعمل بدون شرط او عقد يضمن حقه  في ظل تفشي البطالة والمحسوبية المنتشرة في مفاصل الدولة العراقية فقال "( من المشاكل العالقة بين العمالة العراقية والشركات النفطية وبالمقدمة الاجور وهو تفاوت  كبير بين الاجانب والعراقيين مثلا العامل الفني العراقي يستلم مبلغ 1000$ بينما يأخذ الاجنبي ما لا يقل عن 4000$ شهريا.
     بالإضافة الى ساعات العمل التي تصل الى 12ساعة يوميا مدة ستة ايام في الاسبوع ولا يوجد عقد عمل قانوني للعامل العراقي مثلا الشركة (م. ص) ترغم العامل العراقي على ان يوقع على اقرار منه شخصيا انه في حالة تخلي الشركة عن خدماته عليه التنفيذ وليس له اي ضمانات،
    بينما ينص العمل ان لكل عامل في السنة 22 يوم اجازه على ان يأخذها متفرقه وليس متصلة بينما نظام العمالة الأجنبية في نفس الشركة ينص على ان الدوام مقابل كل شهرين شهر اجازه مع اجور الطائرة ذهابا وايابا الى بلده بالإضافة للسكن والطعام ثلاث وجبات)
    عامل اخر يروي قصة مشابهه لزميله في شركة أخرى قائلاً:
    (بعد اعتراض العمال العراقيين على تفاوت الاجور تعذرت الشركة ان للعراقيين ضمان اجتماعي وكذلك الطعام مستقطع من الاجور ما يقارب 25$ للوجبة الواحدة وهي لا تساوي 3$ كذلك 100$ اجور نقل وهو لا يكلف 25$ شهريا و200$ تجهيزات معدات سلامه من حذاء وبدلة عمل ونظاره وقفازات وخوذه وهي لا تساوي 50$ كل هذه الاشياء يدعون انها مستقطعة من الاجور) بينما توفرها وحسب القانون الشركة مجاناً للعامل مع صرف بدل خطورة. اسوة بالعامل الأجنبي الذي توفر له الشركات أجور الاجازة المدفوعة والسفر المجاني.
    ويذكر أحد العاملين ان الكفاءات العراقية أكثر بكثير من الكفاءة الأجنبية العاملة في هذه الشركات فاغلب الخبراء الأجانب الذين تستقدمهم هذه الشركات بمرتبات عالية جداً يعتمدون على الخبرات العراقية المتواجدة في هذه الشركات التي تتقاضى ربع ما يتقاضاه الأجنبي. الذي يفضل تشغيل الايادي العاملة من بلادة مخلفاً الاف من العاطلين عن العمل في هذه المحافظة.

    أحد رؤساء الاتحادات العمالية في قطاع النفط ( س,ج) حاورته بخصوص أجور العاملين العراقيين فذكر( "ان الأجور المتفق عليها بين الشركات والعامل العراقي مخالفة لشروط العمالة في نفس الشركة كون الأجور متفاوته بين العامل الأجنبي والعامل العراقي , فالعامل الأجنبي تلتزم الشركة بعقد قانوني معه اما العامل العراقي ترفض اغلب الشركات اطلاعه على العقد او في بعض الحالات التي سجلناها بالرصد انهم يهددون العامل اما بالتوقيع او الاستغناء عنه . وطبعا العامل مضطرا لتوقيع العقد رغم الظلم فيه لكنه مجبور , فالبطالة المنتشرة في البلاد تجعل هذه الشركات استغلال العامل وضعف الرقابة الحكومية ايضاً على هذه الشركات تسبب بظلم هؤلاء العمال.)
    بينما يذكر مسؤول (H,R ) في شركة (ل.و) ("ان الشركة تعمل على تقليص رواتب العامل العراقي لتغطية نفقات المسؤولين العراقيين الذين يزورون الشركة ويجبرون أصحابها على دفع "الكومشنات"
    لهم وهذا هو السبب الرئيس في ضعف الرقابة الحكومية. ويؤكد نفس الشخص ان الشركات الأجنبية تعمل بقوة في البلاد كونها مدعومة من قبل اشخاص متنفذين في السلطات العراقية مما يجعل الامر صعباً على كشف الحقائق علناً.")
    خبير قانوني نفطي يعمل في شركة نفط البصرة ذكر لنا (ان العقود الموقعة مع الشركات الأجنبية تلزم العراق قانوناً ان لا يتدخل بعمل وسياسة هذه الشركات لذلك من الصعب علينا محاسبتها بخصوص الأجور والعمالة العراقية وهناك قضايا وصلت حتى لهيئة النزاهة لكنها لازالت في ادراج المحاكم بسبب الدعم لهذه الشركات من المتنفذين في السلطة وهذه ناتج عن دفع رشاوي مالية كبيرة) وتجاهلت هذه الشركات بناء المصافي التي تسهم بتعيين الاف من أبناء البلد الذين يعانون العوز المادي وعملت على تهريب النفط وتصنيعه خارج العراق ليعود العراق يشتريه بأضعاف السعر كوقود من البانزين والديزل. مما سبب بتوقف العديد من المعامل الإنتاجية التي كانت النفط الدائم الأساسي لها
    وقد خالفت هذه الشركات نصوص العمل العراقية وفق القانون فقانون العمل العراقي المعتمد ينص على ان ساعات العمل اليومي 8 ساعات وتدفع أجور إضافية ساعتين لكل ساعة عمل بعد الدوام الرسمي. الا ان هذه الشركات تجاوزت القانون من خلال الطرق الملتوية لتنفذ مآربها التجارية وتذل العامل العراقي الذي لاحول ولاقوه له فقد وقع بين (مطرقة البطالة وسندان هذه الشركات التي تستغله)
    ويعد اتفاق ما يسمى بجولات التراخيص النفطية "المذل والسارق" للنفط العراقي فلم يلبي الطموح لدى المواطن العراقي فضلا عن البصري بصوره خاصه كون البصرة تعتبر المتضرر الكبير من هذه الشركات التي لا تراعي قوانين البيئة والحفاظ عليها مما تسببت بتلوث كبير نتيجة اختيار مناطق غير قانونية للطمر الصحي لمخلفات هذه الشركات مما أثر سلبا على الواقع الصحي والزراعي بوجه خاص مسبباً انتشار الامراض السرطانية بشكل كبير إضافة الى تجريف الأراضي الزراعية وانتشار التصحر.

    البصرة الفيحاء المدينة ذات الموقع الاستراتيجي المهم وكانت تسمى بوابة العراق او تغر العراق الباسم، غنية بثرواتها الطبيعية من البترول والمعادن إضافة الى ارضها الخصبة الصالحة للزراعة.
    وتعد البصرة الميناء الوحيد الذي يربط العراق بمحيطة الخارجي العالمي عبر الخليج العربي الذي يغذي العراق من جنوبه الى شماله، وعدت المنطقة انها قلب اسيا إذا ما استغلت جيداً لتربط قارتي اسيا وأوربان عبر المتوسط بطريق بري يمر بسوريا وتركيا.
    يعيش أبناء هذه المحافظة الغنية تحت خط الفقر والحرمان وانعدام ابسط مقومات الحياة من ناحية الخدمات والبنى التحتية فقد تخلفت المدينة وسكانها بسبب موقعها الحدودي المجاور لثلاث دول إيران والكويت والسعودية فتحملت ما تحملت من أعباء الحروب الكارثية لعقود طويلة.
    وجاءت اليوم المحرمات النفطية لتسهم بهذا التخلف من خلال حجز الأراضي للاستكشافات النفطية التي عملت عقود التراخيص على بيع الأرض ومافيها للشركات المنتجة التي استولت على نفط العراق عامة والبصرة خاصة بعد عام 2003 وسقوط النظام العراقي لتحرم الاف الدوانم من الزراعة التي كانت تسهم بسد الإنتاج الوطني العراقي آنذاك.
    وتساهم البصرة اليوم بنسبة 80% من الدخل القومي العراقي حيث كشفت الدراسات والبحوث ان المحافظة تحتوي على 60% من احتياطي النفط والغاز في العراق أي ما يقارب 67,9 مليار برميل منذ بدء الإنتاج النفطي في منتصف القرن الماضي.

    ad728