البصرة: المدينة المغربية الرائده في الحضارة
بقلم \ عباس قاسم المرياني
البصرة من المدن المغربية التاريخية المهمة التي تقع في الجزء الشمالي الغربي من المغرب العربي، وموقعها قريب من البحر المتوسط من جهة، ومن المحيط الاطلسي من جهة اخرى، تأسست في بدايات القرن الثالث الهجري على يد الادارسة الذين جعلوا منها عاصمتهم الثانية، كما تميزت هذه المدينة بكثرة خيراتها وجمالها وموقعها المتميز.
في مطلع هذا المقال قد يتعجب القارئ بما يقرأهُ، ويذهب بتصوره اننا نتحدث عن مدينتنا البصرة العراقية العريقة، بالتأكيد لا! فالبصرة التي نتحدث عنها هي مدينة مغربية تأسست بعد مدينة البصرة العراقية بحوالي قرنين من الزمن، وكما ذكرنا مؤسسوها هم الادارسة الشيعة الذين يرجع نسبهم الى ادريس بن عبد الله بن الحسن من ولد الامام الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) الذي هرب من بطش العباسيين الى المغرب وتمكن هو واولاده من بعده اقامة دولتهم فيها.
واختلفت الاراء في سبب تسمية هذه المدينة بهذا الاسم، بعض الرحالة يذهب بالقول انها سميت بذلك تشبيهاً لمدينة البصرة العراقية العريقة للتشابه بينهن من حيث التربة والموقع، او سميت كذلك تيمناً بمدينة البصرة العراقية التي زارها الامام علي (ع) في حرب الجمل، وعَد البعض هذه التسمية نسبة الى الطينة ذات اللون المائل للاحمر التي كانت تتميز به هذه المدينة فسميت بذلك.
وعلى الرغم من صغر عمر هذه المدينة لكنها لعبت ادواراً سياسية وحضارية كبيرة ومهمة في المنطقة المغربية كمثيلتها البصرة المشرقية، فكما ذكرنا كانت البصرة العاصمة الثانية للادارسة بعد مدينة فاس، وبعد الصراعات التي حدثت بين الادارسة والدولة الفاطمية من جانب، والامويين في الاندلس من جانب اخر تعرضت هذه المدينة لعدة تدخلات وحروب من الطرفين تمكنت في حقبةً ما من سيطرة الفاطميين عليها، ثم امويي الاندلس في حقبةً اخرى، وكل ذلك لم يضعف من دورها الحضاري الذي كان مقارباً او موازياً لدور مدينة البصرة العراقية، الا انها فيما بعد تعرضت الى الهدم والخراب من قبل الفاطميين بعد ما يقرب قرناً ونصف من الابداع الحضاري والسياسي وبقيت خربة الى يومنا هذا.
وتميزت ايضاً بوضع اقتصادي مميز جداً؛ لما تملكه من موارد زراعية مهمة اشهرها زراعة الكتان وتصديره؛ لذلك سميت (بصرة الكتان)، فضلا عن الحبوب والمحاصيل الاخرى، كما ان موقعها البحري والبري المهم حيث تتصل بالبحر والمحيط من جانب، ومناطق المغرب البرية من جانب اخر حيث ساهم في تطور التجارة فيها، فضلاً عن منتوجاتها الحيوانية ايضاً التي ساهمت في اقتصاد هذه المدينة لكثرة المراعي؛ لذلك تميزت بألبانها طيبة المذاق.
فضلاً عن ذلك برز في هذه المدينة عدد من كبار الفقهاء والعلماء والشعراء المغاربة الذين اضافوا كثيراً للحضارة العربية والاسلامية، منهم ابو زكريا الصدفي، وابو هارون العمري البصري الذي يرجع نسبه الى عمر بن الخطاب، وكتب عن هذه المدينة الكثير من المؤرخين والرحالة مثل ابن خلدون، وابن عبد ربه الاندلسي، والمقدسي، وابن جبير.
المصادر
* ابو فرج الاصفهاني: مقاتل الطالبيين
* ياقوت الحموي: معجم البلدان
* د. محمد علي دبور: مدينة البصرة في المغرب الاقصى