• اخر الاخبار

    "لذه" - رمز ثقافي في فنجان


    بقلم: رجوى قوراري 


    الكاتبة معتمدة في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية في الجزائر؛ حاصلة على ليسانس إعلام، وطالبة ماستر تخصص إعلام سمعي بصري، وعضو متقدم في الفرع الجزائري للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.


     زخات مطر، فنجان شاي، صوت طرب، رواية جميلة، تسكن حكاية يكتمها قلب يناشد بها روحه السماء، وحده كوب شاي قادر على احتواء الوجع حين يأتي المساء، معبق برائحة الحنين، فهو مستودع الاسرار لا يخذل حين تتزاحم اوجاع الحياة.
          يَعتبر سكان الصحراء الجزائرية "الشاي" من الأسرار الأصيلة التي تتوارثها الأجيال، فهو الصديق و الرفيق، و هو مَن يَلم شمل العائلة و الاصدقاء، و لا يختلف الشعب الصيني عن نظيره  الجزائري في حبه و تقديسه للشاي. حيث يعُد المشروب الأصلي في الثقافة الصينية العريقة، و هو أحد الركائر السبعة الأساسية للحياة اليومية، شأنه شأن الأرز و الزيت و الحطب....

    رُب صدفة خير من ألف ميعاد

     هكذا كانت بدايات ظهور الشاي الاخضر، قبل الميلاد بثلاثة قرون، صدفة سقطت ورقة شجرة الشاي في  كوب الماء الساخن لاحد الأباطرة و الذي اعتاد على شربه، فارتد لون الماء أصفر  و أعجب بالطعم ، لتنقلب هذه الورقة من مشروب طيب المذاق إلى رمز ثقافي ذو مكانة  مرموقة. أما  الرواية الثانية تزعم اكتشافه من قبل "شن نونغ"، عميد الطب البديل زمانه إذ كان يطوف الجبال و يختبر الأعشاب بتلقفها، حتى أنهكه عشبا ساما فجلس تحت شجرة تساقطت أوراقها و النسيم، التقط ورقتين فزال الألم حينا، وبعد إجراء الاختبار عليها ظهر الشاي كمشروب.

    إذا كان طريق ما أفضل من آخر.. تأكد من أنه طريق الطبيعة

    نافعة و ليست بضارة، استخدمت الأعشاب النافعة منذ العصور القديمة في علاج الأمراض، كما أثبتت الأبحاث  فاعليتها، بعيدا عن الآثار السلبية و الأعراض الجانبية التي تخلفها الأدوية الكيماوية، فاتخذ الصينيون الشاي الاخضر قبل خمسة آلاف سنة، كعشبة طبية و نقلوه لليابان (800 ق. م) عندما ذهبوا للدراسة، و بدوره شدّد الراهب "ايساي" على فوائد الشاي في كتابه "الحفاظ على الصحة بشرب الشاي"، مؤكداَ أن الشاي دواء إعجازي يحافظ على الصحة، و له قوة غير عادية في إطالة العمر.
        و حسب مصطفى درويش أن من أهم الأغذية و الأعشاب التي كشفها العلماء غناها بمضادات الأكسدة هي الشاي الاخضر، كما أن هذا الأخير يحتوي على مركبات تعالج أكثر من عشرين مرضا من بينها عدة أنواع من السرطان.
    تلك العشبة المتواضعة تسمى ب camellia sinensis من الكاميليات، أوراقها رمخية جلدية ذات حواف مسننة تحوي على غدد زيتية، ازهارها بيضاء او قرمزية موطنها الأصلي الصين جنوب شرق آسيا.
     تحتوي أوراق الشاي الاخضر على عصبة معتبرة من الفيتامينات منها: فيتامين (ب)، (ك)، (د)، كذا الكاروتينات طلائع فيتامين (أ)، (ه)، (ج)، و يحوز الشاي الأخضر على عناصر معدنية كثيره كالكالسيوم، البوتاسيوم المغنيسيوم، الحديد، النحاس، الزنك و الفلور، به 20 حمضاً أمينياً ما يمنع من تصلب الشرايين و الضغط الشرياني المرتفع. و تستوعب هذه العشبة الوديعة على أربع كاتيكينات تقضي على أخطر الجراثيم المعوية التي تسبب الإسهال (بروفيسور شيمامورا، جامعة شوا)، كما تقضي على الجرثومة h. pylori التي تسبب اقوحة المعدية و قرحة الاثنى عشر حسب د. تاوسونج حيث تمنع تشكل المواد الجيرية على الاسنان.
     كما يمنع الشاي الأسود تسوس الأسنان، مفيد للربو، مهضم جيد خاصة بعد الوجبات الدسمة، و يستخدم كمنبه للدماغ و الجهاز العصبي، لمقاومة التعب و الإرهاق ، يقلل من خطر السكتة الدماغية بسنبة 21٪، يعطي الحمض الاميني L راحة من الإجهاد، يحسن التركيز و يعدل مستوى هرمون التوتر.
     و  لتحقيق أكبر فائدة طبية و غذائية من الشاي وجب الامتناع عن غليه، بل إضافة الشاي الجاف بعد غليان الماء، و تركه منقوعا مدة (3-10) د، و ينصح المختصون بشرب كوبين يوميا للوقاية من الجلطات الدموية. يفضل شربه بعد تناول الطعام، هذا ما تجتهد عليه المطاعم الصينية، تقدم ابريق شاي اخضر مجانا للزبائن لمنع حدوث تسمم.
     و يرافق شرب الشاي الصيني آداب تعبر عن مدى احترام الصينيين لهذا الشراب الطهور، باستعراض حركات جسدية محسوبة ذات ابعاد طقوسية، تلوح لتاريخ الصين العظيم في استخدام الشاي. زيادة على هذه الطقوس، الأدوات الفخارية التي تضفي سحرا لجلسات الشاي، تاتي "ييتاو" في مقدمة هذه الأدوات، الى جانب اباريق الخزف بالوانها الزاهية و زخاريفها المتنوعة بتنوع الثقافات الصينية عبر جغرافيا البلاد، و تتوارث الأسر فن صناعة  أدوات الشاي كموروث ثقافي و إجتماعي أصيل .

    البداية الجيدة تُغري بنهاية جيدة

     توالت السلالات الصينية و حظي الشاي بمكانة هامة، من سلالة "جين" حيث اقتصر على النبلاء الى سلالة "تانغ" حيث أصبح الشاي الاخضر شراباً رئيسياً للصين، و ألّف وقتها الحكيم "لو يو" كتاب تحدث بدقة عن طريقة إعداد الشاي، و عرفت الصين حفلات الشاي في عهد الاسرة "سونغ" الملكية من خلال تكريم الامبراطور " سونغ هوي تسونغ" وزراءه بإعداد الشاي بيديه. و عرف الشاي عصره الذهبي في القرن 14، حين ألغى الإمبراطور "هونغو" القيود و الرقابة المفروضة على إنتاج الشاي.
     صمّم الصيني اليوم على بلوغ هدفه فإما أن ينجح و اما أن ينجح، ليصل إنتاج الشاي في الصين عام 2006 الى 80.8٪ و تتصدر في قائمة المصدرين بقيمة 83٪. و خلال الفترة الراهنة شهِد إنتاج الشاي العضوي ارتفاعاً كبيراً مما زاد في دخل السياحة البيئية.
     و تتعدد أنواع الشاي باختلاف أماكن زراعته، ومن أشهرها :"الشاي الأخضر" و "الأسود"  و كذا "الشاي الأصفر الإمبراطوري" ، "شاي اولونغ النصف مُخمّر" ، "شاي انشي يويلو" و غيرها، أما "شاي البو ٱر" فيبوأ المركز الأول و الأهم لأنه الأكثر جودةً و الاغلى ثمناً.
     يتوافر الشاي في جميع المتاجر الغذائية، المقاهي و المحلات حتى في مواقع التجارة الالكترونية مثل موقع "علي بابا"، و يُقدَم كهدية فاخرة مغلفة بطريقة تقليدية صينية رائعة.

    ad728