قطط أولثار ..قصة قصيرة ترجمها الطالب محمد خلف جعفر
"قطط أولثار
قيل
إن هناك قانو ًنا في بلدة "أُلثار" - التي تقع فيما وراء نهر
"سكاي" - ُيح ِّرم على الناس قتل القطط. وأستطيع بسهولة تصديق تلك
المقولة وأنا أتأمل ذلك القط وهو جالس يقرقر أمام اللهب.
القط
مخلوق غامض؛ لا يستعصي عليه إدراك تلك الأشياء الغريبة التي لا يمكن للبشر رؤيتها.
هو روح "إيجيبتوس" القديمة، وهو حامل أساطير المدن المنسية في
"ميرو" و"أوفير". هو سليل أسياد الأدغال، ووريث أسرار أفريقيا
العتيقة. "أبو الهول" هو ابن عمه، يتكلم القط لغته، لكن القط أقدم كثي
ًرا، ويذكر جي ًدا ما قد نساه "أبو الهول" نفسه.
في
"أُلثار"، وقبل قانون تحريم قتل القطط، عاش فلاح عجوز مع زوجته، وكانا
يجدان لذةً خاصة في القبض على قطط الجيران وقتلها. لم أعرف لماذا كانا يقومان بذلك.
ربما يكره البعض مواء القطط في ظلمة الليل، أو الطريقة التي تنسل بها القطط في
الحدائق والساحات ساعة الشفق. مهما كانت الأسباب، فإن العجوز وزوجته كانا يجدان
متعة بالغة في الإيقاع بكل قط يقترب من كوخهما وقتله، وكان يبدو لسكان القرية - من
الأصوات التي كانوا يسمعونها في الليل - أن طرق القتل كانت بالغة الشناعة. بالرغم
من ذلك لم يحدث أن حاول أحدهم أن يناقشهما في ذلك الأمر، ربما بسبب ذلك التعبير
المحفور دائ ًما على وجهيهما اليابسين، وربما لأن كوخهما الصغير كان مخف ًيا
بالكامل تحت ظلال أشجار البلوط في تلك الساحة المهجورة.
في
الحقيقة كان أصحاب القطط يكرهون ً العجوز وزوجته بشدة، لكن خوفهم منهما كان أعظم،
وبدلا من مواجهتهما بجرائمهما النكراء، كانوا يكتفون ببذل ما بوسعهم لمنع قططهم من
الدنو من الكوخ القابع في الظلاٌل. وفي المرات التي يختفي فيها - رغم كل هذا الحذر
- قط تعيس الحظ، ثم تُسمع الأصوات الليلية المخيفة، لم يكن بيد صاحب القط إلا أن
يشعر بالأسف العاجز، أو أن يعزي نفسه بأن الذي اختفى لم يكن أحد أبنائه. فالناس في
"أُلثار" كانوا على قدر كبير من السذاجة، ولم يكونوا يعرفون شيئًا عن
المكان الذي جاءت منه القطط لأول مرة.
وحدث
في يوم من الأيام أن حطت قافلة من أهل الجنوب الغرباء رحالها وسط أزقة
"أُلثار". والحق أنهم كانوا يختلفون عن سائر الرحالة الذين كانوا يمرون
بالبلدة مرتين كل عام. فقد كان هؤلاء الرحالة الغرباء يقرءون الطالع للناس في
السوق مقابل الفضة، وكانوا يشترون حبات الخرز الملونة من التجار. لم يعرف أح ٌد من
أي البلاد هم، لكنهم كانوا يؤدون صلوات غريبة، وعلى عرباتهم كانت هناك رسوم غريبة
لأجساد بشرية لها رؤوس قطط وصقور وكباش وسباع. أما كبيرهم فقد كان يرتدي غطاء رأس
يخرج منه قرنان يحيطان بقرص عجيب الشكل.
وكان
فيمن أتى مع تلك القافلة صبي يتيم، سلبه الطاعون أباه وأمه، ولم يبق له َمن يواسيه
إلا قطة صغيرة سوداء، كان سلوكها الأخرق يبعث القليل من الدفء في قلبه المكلوم.
ربما لذلك كان الصبي - الذي كانوا ينادونه باسم "مينيز" - مبتس ًما في
أكثر الأوقات، وهو يداعب قطته اللطيفة على درجات سلم تلك العربة التي تحمل النقوش
العجيبة.
لكن
في صباح اليوم الثالث من وصول القافلة إلى "أُلثار"، لم يجد
"مينيز" قطته. وأخذ ينتحب بالبكاء وهو يبحث عنها في السوق إلى أن أخبره
بعض سكان البلدة بشأن العجوز وزوجته، والأصوات التي تُسمع في الليل. وما إن سمع بذلك
حتى توقف عن النحيب، وغاب بالتدريج في حالة من التأمل الذي تحول أخي ًرا إلى ما
يشبه الصلاة. فقد رفع ذراعيه م ًعا في اتجاه قرص الشمس، وبدأ في الغمغمة بلغة
غريبة لم
يفهمها
سكان البلدة، ولم يحاولوا فهمها في الواقع، إذ انصب كامل اهتمامهم على السماء التي
كانت السحب فيها تحتشد لترسم أشكا ًلا غامضة. كان الأمر عجي ًبا حقًا، فبينما
الصبي يهمس بتعاويذه تلك، كانت أشكا ٌل ضبابية مبهمة ترتسم في السماء فتسحر أعين
الناس. أشكال لكيانات لا هي بالبشر ولا هي بالحيوانات، على رؤوسها تيجان ذات قرون.
والطبيعة، كما تعلمون، يحلو لها كثي ًرا أن تمارس ألاعيبها مع أصحاب الخيال
الواسع.
في
تلك الليلة، غادرت القافلة ولم تعد بعد ذلك قط. وانزعج سكان البلدة كثي ًرا وهم
يكتشفون أن كل قططهم قد اختفت من المنازل! القطط الكبيرة والصغيرة، السوداء
والرمادية والبيضاء والصفراء والمخططة. كان "كرانون" عمدة القرية العجوز
يقسم أن الرحالة الغرباء هم الذين فعلوها انتقا ًما مما حدث مع قطة الصبي. لكن
"نيث" المحامي النحيل أخبر الناس بأن العجوز وزوجته هما موضع الاشتباه
الأقرب. لكن أح ًدا لم يجرؤ على مواجهتهما، حتى عندما أكد "أتال" - ابن
صاحب الخان - أنه شاهد بعينيه قطط "أُلثار" كلها وقت الشفق وهي تتسلل
بهدوء وإصرار عجيبين نحو الكوخ القابع تحت الأشجار في تلك الساحة الملعونة. تردد
سكان البلدة في تصديق كل ما قاله الولد الصغير، وبالرغم من خوفهم من أن يكون
العجوز وزوجته قد استدرجا القطط إلى حتفها، فقد آثروا ألا يواجهوا العجوز في ساحته
المظلمة المخيفة.
وهكذا
فقد نام أهل البلدة وهم يجترون غضبهم، لكنهم عندما استيقظوا في الفجر وجدوا كل
قططهم قد عادت إلى المنازل! القطط الكبيرة والصغيرة، السوداء والرمادية والبيضاء
والصفراء والمخططة. كلها قد عادت بلا استثناء، وقد بدت عليها إمارات الصحة وهي
تقرقر في سرور. أما أهل البلدة فقد ألجمتهم الدهشة. أكد العجوز "كرانون"
في إصرار أن الرحالة هم الذين اختطفوا القطط، فلم يحدث من قبل أن عاد أي قط من كوخ
العجوز ح ًيا. لكن الناس أجمعوا على أمر واحد أثار فيهم كل العجب: فقد كانت جميع
القطط عازفةً تما ًما عن تناول أي طعام، وقد ظلت ًلا تمس صنوف الطعام - حتى اللبن
- ليومين كاملين، مكتفية بالنعاس الخفيف أمام اللهب أو تحت الشمس.
وكان
قد مضى أسبوع كامل قبل أن يلاحظ الناس أن كوخ العجوز لم يعد ُيضاء في الليل. وكان
"نيث" المحامي قد لاحظ أن أح ًدا لم يشاهد العجوز ولا زوجته منذ تلك
الليلة التي اختفت فيها القطط. ومضى أسبوع آخر قبل أن يجد عمدة البلدة الشجاعة
الكافية ليقوم بواجبه ويتفقد الكوخ، لكنه كان حري ًصا على اصطحاب "شانج"
الحداد و"ثول" الحجار كشهو ٍد معه. وعندما قاموا بكسر الباب المتهالك،
لم يجدوا سوى هيكلين عظميين بشريين ناصعين يرقدان فوق أرض الكوخ الترابية، وعدد
قليل من الخنافس التي أخذت تزحف إلى الأركان المظلمة.
كان
هناك الكثير من القيل والقال بعد ذلك، وثار جدال طويل بين "زاث" الطبيب
الشرعي و"نيث" المحامي، وانهمرت الأسئلة على "كرانون"
و"شانج" و"ثول" وحتى "أتال" الصغير ابن صاحب الخان
الذي قدموا له الحلوى كمكافأة. عن العجوز وزوجته تكلموا، وعن قافلة الرحالة
الغرباء، وعن الصبي "مينيز" وقطته السوداء الصغيرة، وعن الصلاة الغريبة
التي أداها الصبي، وعن صورة السماء أثناء صلاته، وعن الأفعال العجيبة التي قامت
بها القطط ليلة رحيل القافلة، وعما وجدوه بعد ذلك في الكوخ القابع تحت ظلال
الأشجار في الساحة المشؤومة.
وفي
آخر الأمر، اتفق الجميع على إصدار ذلك القانون العجيب الذي حكى عنه التجار في
"هاُثيج" وتن َّدر به الرحالة في "نير"، والذي ينص على أنه في
"ألثار" يح ُرم على الناس قتل القطط.
’The Cats of Ulthar
by H. P. Lovecraft
It is said that in Ulthar, which
lies beyond the river Skai, no man may kill a cat; and this I can verily
believe as I gaze upon him who sitteth purring before the fire. For the cat is
cryptic, and close to strange things which men cannot see. He is the soul of
antique Aegyptus, and bearer of tales from forgotten cities in Meroe and Ophir.
He is the kin of the jungles lords, and heir to the secrets of hoary and
sinister Africa. The Sphinx is his cousin, and he speaks her language; but he
is more ancient than the Sphinx, and remembers that which she hath forgotten.
In Ulthar, before ever the burgesses forbade the
killing of cats, there dwelt an old cotter and his wife who delighted to trap
and slay the cats of their neighbors. Why they did this I know not; save that
many hate the voice of the cat in the night, and take it ill that cats should
run stealthily about yards and gardens at twilight. But whatever the reason,
this old man and woman took pleasure in trapping and slaying every cat which
came near to their
hovel; and from some of the sounds heard after dark,
many villagers fancied that the manner of slaying was exceedingly peculiar. But
the villagers did not discuss such things with the old man and his wife;
because of the habitual expression on the withered faces of the two, and
because their cottage was so small and so darkly hidden under spreading oaks at
the back of a neglected yard. In truth, much as the owners of cats hated these
odd folk, they feared them more; and instead of berating them as brutal
assassins, merely took care that no cherished pet or mouser should stray toward
the remote hovel under the dark trees. When through some unavoidable oversight
a cat was missed, and sounds heard after dark, the loser would lament
impotently; or console himself by thanking Fate that it was not one of his
children who had thus vanished. For the people of Ulthar were simple, and knew
not whence it is all cats first came.
One day a caravan of strange wanderers from the South
entered the narrow cobbled streets of Ulthar. Dark wanderers they were, and
unlike the other roving folk who passed through the
village twice every year. In the market-place they told fortunes for silver,
and bought gay beads from the merchants. What was the land of these wanderers
none could tell; but it was seen that they were given to strange prayers, and
that they had
painted on the sides of their wagons strange figures
with human bodies and the heads of cats, hawks, rams and lions. And the leader
of the caravan wore a headdress with two horns and a curious disk betwixt the
horns.
There was in this singular caravan a little boy with
no father or mother, but only a tiny black kitten to cherish. The plague had
not been kind to him, yet had left him this small furry thing to mitigate his
sorrow; and when one is very young, one can find great relief in the lively
antics of a black kitten. So the boy whom the dark people called Menes smiled
more often than he wept as he sat playing with his graceful kitten on the steps
of an oddly painted wagon.
On the third morning of the wanderers stay in Ulthar,
Menes could not find his kitten; and as
he sobbed aloud in the market-place certain villagers
told him of the old man and his wife, and of sounds heard in the night. And
when he heard these things his sobbing gave place to meditation, and finally to
prayer. He stretched out his arms toward the sun and prayed in a tongue no
villager could understand; though indeed the villagers did not try very hard to
understand, since their attention was mostly taken up by the sky and the odd
shapes the clouds were assuming. It was very peculiar, but as the little boy
uttered his petition there seemed to form overhead the shadowy, nebulous
figures of exotic things; of hybrid creatures crowned with horn-flanked disks.
Nature is full of such illusions to impress the imaginative.
That night the wanderers left Ulthar, and were never
seen again. And the householders were troubled when they noticed that in all
the village there was not a cat to be found. From each hearth the familiar cat
had vanished; cats large and small, black, grey, striped, yellow and white. Old
Kranon, the burgomaster, swore that the dark folk had
taken the cats away in revenge for the killing of
Menes kitten; and cursed the caravan and the little boy. But Nith, the lean
notary, declared that the old cotter and his wife were more likely persons to
suspect; for their hatred of cats was notorious and increasingly bold. Still,
no one durst complain to the sinister couple; even when little Atal, the
innkeepers son, vowed that he had at twilight seen all the cats of Ulthar in
that accursed yard under the trees, pacing very slowly and solemnly in a circle
around the cottage, two abreast, as if in performance of some unheard-of rite
of beasts. The villagers did not know how much to believe from so small a boy;
and though they feared that the evil pair had charmed the cats to their death,
they preferred not to chide the old cotter till they
met him outside his dark and repellent yard.
So Ulthar went to sleep in vain anger; and when the
people awakened at dawnbehold! every cat was back at his accustomed hearth!
Large and small, black, grey, striped, yellow and white, none was missing. Very
sleek and
fat did the cats appear, and sonorous with purring
content. The citizens talked with one another of the affair, and marveled not a
little. Old Kranon again insisted that it was the dark folk who had taken them,
since cats did not return alive from the cottage of the ancient man .and his
wife. But all agreed on one thing: that the refusal of all the cats to eat
their portions of meat or drink their saucers of milk was exceedingly curious.
And for two whole days the sleek, lazy cats of Ulthar would touch no food, but
only doze by the fire or in the sun.
It was fully a week before the villagers noticed that
no lights were appearing at dusk in the windows of the cottage under the trees.
Then the lean Nith remarked that no one had seen the old man or his wife since
the night the cats were away. In another week the burgomaster decided to
overcome his fears and call at the strangely silent dwelling as a matter of
duty, though in so doing he was careful to take with him Shang the blacksmith
and Thul the cutter of stone as witnesses. And when they had broken down the
frail door
they found only this: two cleanly picked human
skeletons on the earthen floor, and a number of singular beetles crawling in
the shadowy corners.
There was subsequently much talk among the burgesses
of Ulthar. Zath, the coroner, disputed at length with Nith, the lean notary;
and Kranon and Shang and Thul were overwhelmed with questions. Even little
Atal, the innkeepers son, was closely questioned and given a sweetmeat as
reward. They talked of the old cotter and his wife, of the caravan of dark
wanderers, of small Menes and his black kitten, of the prayer of Menes and of
the sky during that prayer, of the doings of the cats on the night the caravan
left, and of what was later found in the cottage under the dark trees in the
repellent yard.
And in the end the burgesses passed that remarkable
law which is told of by traders in Hatheg and discussed by travelers in Nir;
namely, that in Ulthar no man may kill a cat.