الصين وأحلامها الأولمبية
بقلم الإعلامية الصينية سعاد ياي
اسدل الستار مساء يوم ال8 من أغسطس الجاري، على أولمبياد طوكيو، حيث قام رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ خلال مراسيم الاختمام بتسليم العلم الأولمبي إلى عمدة باريس، ما اشار إلى وصول هذا الحدث الرياضي الذي استمر 17 يوما رسميا إلى نهايته.
وشارك الوفد الصيني في هذه الدورة الأولمبية الصيفية بطوكيو اليابانية بوفد يضم 431 رياضيا، الذين حصلوا على 38 ميدالية ذهبية و32 ميدالية فضية و18 ميدالية برونزية، ما سمح لهم باحتلال المركز الثاني في الترتيب النهائي للدورة. واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى بحصولها على 39 ميدالية ذهبية و40 فضية و33 برونزية.
تعتبر النتيجة التي حققتها الصين في هذه الدورة نتيجة ممتازة، ويعادل عدد الميداليات الذهبية التي فازت بها عدد ما تحصلت عليه في أولمبياد لندن عام 2012، ما يعد ثاني أفضل نتيجة يحققها وفد صيني في الألعاب الأولمبية الصيفية، بعد ما تم تحقيقه في أولمبياد بكين عام 2008.
يولي الجمهور الصيني اهتماما منقطع النظير بفعليات الألعاب الأولمبية. أثناء فترة انعقاد الدورات الأولمبية، يجذب البث المباشر للمسابقات عددا كبيرا من المشاهدين الصينيين، لأنه لدينا مشاعر عميقة اتجاه الأولمبياد، ويرجع تاريخها إلى ما قبل أكثر من 100سنة.
في عام 1908، طرحت صحفية شعبية صينية منتشرة في أرجاء البلاد حينذاك، ثلاثة أسئلة في مقال نشرته وتحت عنوان “الرياضات التنافسية”، وتمثلت الأسئلة في : متى يمكن للصين أن ترسل رياضيين للمشاركة في المسابقات الأولمبية؟ ومتى تستطيع الصين أن ترسل وفداً للمشاركة في الألعاب الأولمبية ؟ ومتى تتمكن الصين من استضافة دورة أولمبية؟
كانت الصين تحيا في ظروف صعبة، وتواجه فيها العدوان الخارجي، بالإضافة إلى صعوبات التنمية الاجتماعية آنذاك، وبصفتها دولة فقيرة ومتخلفة، لم يكن لديها قدرة كافية على تطوير الرياضة العامة و تكوين رياضيي النخبة. لكن الصينيين لم يتركوا حلمهم في المشاركة في الألعاب الأولمبية بأن يتلشى، بل على العكس بذلوا كل جهودهم من أجل ذلك .
في عام 1932، شارك اللاعب الصيني ليو تشانغ تشون في الدورة العاشرة للألعاب الأولمبية والتي أقيمت في لوس أنجلوس الأمريكية، وهو أول رياضي صيني يشارك في الألعاب الأولمبية، وكان أيضا اللاعب الصيني الوحيد المشارك في تلك الدورة.
لكن، بسبب معانته من التعب الشديد بعد الرحلة الطويلة من الصين إلى الولايات المتحدة، لم يدخل ليو تشانغ تشون المسابقة النهائية لسباق الجري على المسافات القصيرة. في تلك الفترة كانت الصين تتعرض للحروب والعدوان الخارجي من بعض الدول الإمبريالية، وكانت تكلفته في السفر والمشاركة في الألعاب الأولمبية من دعم الشخصيات المختلفة، رغم عدم تحقيق نتائج إجابية، أصبحت مشاركته فيها حجر الزاوية لإظهار الصين لروحها الأولمبية أمام العالم.
في عام 1949، تأسست جمهورية الصين الشعبية، كدولة مستقلة وذات السيادة التامة. وبدأت البلاد في سعيها إلى تطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شتى المجالات. وفي الدورة الأولمبية الثالثة والعشرين بلوس أنجلوس الأمريكية عام 1984، فاز الرياضي الصيني شيو هاي فنغ بذهبية الرماية بالمسدس البطيء للرجال، لتكون أول ميدالية ذهبية تفوز بها الصين في الأولمبياد، ما سمح للصين بتحقيق اختراقها الصفري في مشاركاتها في الألعاب الأولمبية.
في عام 2008، نجحت الصين في استضافة أولمبياد بكين، حيث حصل الوفد الصيني على 48 ميدالية ذهبية، تصدرت من خلالها الصين لأول مرة دول قائمة الميداليات الذهبية الأولمبية.
من فترة التساؤلات عن قدرة الصين على المشاركة في الأولمبياد في عام 1908، حتى فوز الرياضي الصيني ما لونغ بميداليته الذهبية الأولمبية الخامسة في أولمبياد طوكيو لعام 2021، شهدت الصين تطورا كبيرا ومتواصلا في تطوير الرياضة العامة و النخبوية وخاصة ما بعد انعقاد أولمبياد بكين، حيث تم إنشاء عددا كبيرا من المنشآت الرياضية الأساسية في أرجاء البلاد، ما يعتبر هدية جميلة أهدتها استضافة الدورة الأولمبية لكل المواطنين الصينيين. وفي الوقت الحالي، يبلغ عدد الصينيين الذين يشاركون دائما في الرياضات البدنية المختلفة أكثر من 400 مليون نسمة، ما يحتل نحو 35% من إجمالي عدد سكان البلاد.
لا تعتبر الألعاب الأولمبية حدثا رياضيا فحسب، بل هي منصة لاختبار القوة الوطنية الكاملة، ومسرح أيضا تتحقق فيه الأحلام الشخصية والوطنية وحتى أحلام الإنسانية .
ومن المتوقع أن تستضيف الصين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ودورة الألعاب الأولمبية الشتوية للمعاقين في سنة 2022، وأتمنى أن تسهم الصين في دفع تطوير هذا الحدث الرياضي العظيم بجهودها وعزمها .