مؤتمر اربيل بين الفضيحة والكارثة ✍ شوان الداودی
في نهاية شهر اب الماضي وخلال افتتاح ملتقى الرافدين في مدينة بغداد، خصصت إحدى الجلسات الحوارية لرئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، والشخص الذي أدار الجلسة كان إعلاميا لبنانيا معروفا ويحمل الجنسية الفرنسية وهو سامي كليب، وخلال طرح أسئلته أراد احراج الحلبوسي، لذلك قال الحلبوسي اعرف من أتى بك ولماذا، و في معرض اجابته على أسئلة تخص التطبيع مع إسرائيل ردد الحلبوسي وبصوت مرتفع مجموعة شعارات بخصوص موقف العراق الثابت من دعم القضية الفلسطينية وضد التطبيع.
وفي نفس الليلة كنا ضيوفا في منزل احد النواب بحضور عدد من السياسيين والمرشحين الجدد من العرب السنة عن الرمادي وتكريت، حيث انتقدوا إجابة الحلبوسي بخصوص التطبيع مع إسرائيل، واصفين اياها بالشعارات المستهلكة، هذا الموقف آثار استغرابي، لذلك بدأت بالمناقشة معهم وطرح الأسئلة عليهم، وردوا عليه بكل وضوح وقالوا ان هذه المسألة تم حسمها في الشارع السني، وجميع النخب السياسية السنية وصلت إلى قناعة بأنه مالم يتم التطبيع مع إسرائيل فان أوضاع العراق لن تستقر، وأن الوقت قد حان لاثارة الموضوع علنا، كما اعربوا عن اعتقادهم بأن العرب الشيعة اذا ما أرادوا استقرار العراق وقطع اذرع إيران في العراق، عليهم الوصول إلى قناعة التطبيع مع إسرائيل.
في 22 أيلول وفي إطار الحملة الانتخابية لاحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني أمام مجموعة من أعضاء وانصار حزبه، اعترف صراحة أن البعثيين الذين انفلوا اخواتنا وأمهاتنا هم الآن في أربيل، وهم يمتحدون رئيس حزبه الان، ورغم ان هذه المعلومة ليست بالجديدة، اذ اعلن حسن العلوي مسبقا انه اجتمع عدة مرات مع عزة الدوري في أربيل، فضلا عن أن مسؤولي مخابرات النظام البعثي اكدوا مرارا وحتى قبل سقوط البعث، ان لهم علاقات جيدة مع قيادة الحزب الديمقراطي، الا انها المرة الأولى التي يعترف فيه مسؤول رفيع في الحزب الديمقراطي بهذه الحقائق، الأمر الذي كانت له تداعيات كبيرة على الشارع الكوردستاني عموما وعلى المنظمات والشخصيات التي تعمل في ملف الابادة الجماعية المرتكبة بحق شعب كوردستان.
وبعد يومين من هذا الحدث وتحديدا يوم الجمعة الموافق 24 أيلول وفي فندق ديفان بمدينة أربيل وبحضور 300 من شخصيات العرب السنة قدموا إلى كوردستان من داخل وخارج العراق، عقد مؤتمر تحت شعار (السلام و الاسترداد) بحسب مايتم الحديث عنه و برعاية مركز السلام الأميركي الدولي الذي يرأسه شخص يدعى جيمس وهو مستشار لبايدن، لتتحول اعمال المؤتمر إلى دعم التطبيع مع إسرائيل ودعوات الانضمام للاتفاقية الابراهمية التي وقعت عليها العام الماضي كل من الامارات العربية المتحدة والبحرين، وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد حضر المؤتمر نجل شيمون بيريز، بل ان الاخطر من ذلك أن أحد الحاضرين في المؤتمر ويدعى سعد العاني قدم نفسه على أنه ممثل (صبار المشهداني ابو جعفر) امين عام قيادة قطر العراق لحزب البعث.
هذا المؤتمر آثار ردود أفعال كثيرة في الأوساط السياسية والحكومية و الحزبية في العراق واقليم كوردستان، الرافضة للمؤتمر.
تطرقت إلى هذه المقدمات في مقالتي لاوضح للقارئ ان هذا المؤتمر ليس وليد الساعة، وأعتقد أن اغلب المكونات السياسية العراقية عموما على علم به، لهذا اعتبر ان اغلب البيانات والتوضيحات الصادرة من العرب والكورد والتركمان خصوصا من المذهب السني مجرد دعايات انتخابية، كما اعتقد ان حكومتي بغداد واربيل تتحملان المسؤولية، لأنه من غير الممكن أن لاتكون الدولة على علم بموضوع حساس مثل هذا.
ككوردي فإن اكثر مايلفت انتباهي هو التوضيحان الصادران من وزارة داخلية الإقليم ورئاسة الإقليم بخصوص عدم علمهما بالمؤتمر، في الوقت الذي أعلنت فيه وسائل اعلام إسرائيلية ان الاسايش الكوردية هي التي قامت بحماية المؤتمر، لنترك وسائل الإعلام الإسرائيلية ونتخذ الموقف على ضوء التوضيحين، فإذا كانت رئاسة الإقليم وحكومة الإقليم وسلطات أربيل لم تكن على علم بعقد المؤتمر (وانا لا أعتقد ذلك) فان هذا الأمر يضع أمن الإقليم وكيانه وجماهير شعب كوردستان أمام مخاوف كبيرة وهذه فضيحة كبيرة للكورد تتطلب ردا من سلطات الإقليم، وإذا كان عقد المؤتمر بعلم سلطات الإقليم فهذه كارثة كبرى فعقد المؤتمر في الذكرى الرابعة للاستفتاء يضع الشعب الكوردي واقليم كوردستان في مواجهة تهديدات جدية كبيرة، في الوقت الذي لاتزال فيه جماهير شعب كوردستان تعاني من صدمة تداعيات الاستفتاء لغاية الان.