علييف وبوتين يرتقيان بعلاقاتهما لمستوى التحالف
الأكاديمي مروان سوداح
الأخبار التي بثتها الصحافة ووسائل الإعلام ووكالات الأنباء الرسمية الأذربيجانية ضمنها "أذرتاج" والروسية، في 23 من شباط، حول الارتقاء بالعلاقات بين أذربيجان وروسيا إلى مستوى عالٍ، يكتسب أهمية إستراتيجية جذرية ودقيقة وأساساً قانونياً واسعاً، بعدما تم التوقيع بيد الزعيمين على 245 وثيقة، كما أكد ذلك الرئيس إلهام علييف في مؤتمر صحفي في العاصمة الروسية.
زار الرئيس إلهام علييف في مَجمَع الكرملين نصب "الجندي المجهول"، ووضع إكليلاً من الزهور أمام نصب "الشعلة الخالدة"، وتم عزف النشيد الوطني الأذربيجاني واستعرض الرئيس حرس الشرف أمام الرئيس إلهام علييف، الذي كان قد وصل لروسيا للمشاركة في افتتاح "أيام أذربيجان" بدعم من مؤسسة حيدر علييف، وقص شرائط افتتاح سلسلة من الفعاليات المكرسة لذكرى مرور 30 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتستمر الفعاليات عدة أيام. تميزت زيارة الرئيس علييف لعاصمة الثلوج بالفخامة والأنشطة المتلاحقة التي تعكس الاهتمام الروسي الكبير بفخامته وأبعادِ التفاهمات ومسارات العلاقات بين الدولتين، إذ جرى لقاء بين الرئيس إلهام علييف ورئيس الحكومة الروسية ميخائيل ميشوستين، كما افتتح الرئيس علييف على هامش أيام أذربيجان ومعرض اللوحات التشكيلية لرسام الشعب الأذربيجاني طاهر صلاحوف في غاليري تريتياكوف الشهير، معرض "السجاد الاذربيجاني – رؤية جديدة" في "معرض الإنجازات الشعبية" الشهير. كذلك نُظِّم حفل عرض مشروع أدبي على أساس قصيدة "الحسناوات السبع"، للشاعر الأذربيجاني العبقري نظامي الكنجوي.
استناداً إلى تصريحات سيادة الرئيس علييف نقرأ بأن الإعلان الروسي الأذري: "يرتقي بعلاقات الدولتين إلى مستوى التحالف.. وهذا امتياز كبير من جهة ومسؤولية كبيرة من جهة أخرى. وصلنا إلى هذا اليوم من خلال زيادة إمكانيات التعاون بإصرار ولمدة طويلة، وإقامة علاقات مبنية على التعامل الصميمي وحسن الجوار والبراغماتية والأخذ بعين الاعتبار الاهتمامات المتبادلة. بدأ العمل بالفعل على إعداد "إعلان التحالف" منذ أكثر من سنة. خلال هذه الفترة توصَّل فريق خبراء البلدين إلى إعداد وثيقة موسَّعة تتألف من 43 بنداً، وتشمل كاقة المجالات الأساسية لنشاطنا بالفعل".
لفت الرئيس إلهام علييف في تصريحاته إلى أن البند الأول من "الإعلان" ينص على إقامة العلاقات بين الطرفين "على أساس الاحترام المتبادل للاستقلال وسيادة الدولتين ووَحدة أراضيهما وسلامة حدودهما، وعدم التدخل في شؤونهما الداخلية"، و"إن هذا البند يدل على طبيعة علاقاتنا، ويُظهر أن هذه العلاقات صمدت أمام اختبار الزمن وكما قلت، تعتمد على مشاعر الصداقة والمصالح المتبادلة والتطلعات المستقبلية. لذلك، ليست هذه الوثيقة إنجازاً للعمل المتبادل المستمر منذ زمن طويل فحسب، بل وتفتح آفاقاً كبيرة للمستقبل أيضاً".
التقى الرئيس علييف رؤساء وسائل الإعلام الروسية الرئيسية في مقر وكالة "تاس"، وعُقد اجتماع على انفراد للرئيسين علييف وبوتين، وتفقَّد الرئيس علييف مركز التنسيق لدى مجلس الوزراء الروسي.
في خبر فضائية "روسيا اليوم"، أن الرئيس بوتين، ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف، وَقَّعَا "إعلاناً للتعاون "التحالفي" ينص على تعميق العلاقات العسكرية بين البلدين". وتتضمن وثيقة التحالف على أن: "يقوم الطرفان بتعميق التعاون بين القوات المسلحة للاتحاد الروسي والجمهورية الأذربيجانية، بما في ذلك تنفيذ فعاليات مشتركة للتدريب العملياتي والقتالي، إضافة إلى تطوير سُبلٍ أخرى للتعاون العسكري الثنائي بهدف ضمان الأمن والحفاظ على السلام والاستقرار، من المُمكن أن ينظر الاتحاد الروسي والجمهورية الأذربيجانية في إمكانيات تقديم مساعدة عسكرية لبعضهما بعضاً بناء على ميثاق "الأمم المتحدة"، والاتفاقات الدولية المنفردة، مع أخذ الالتزامات القانونية الدولية لكل من الطرفين بعين الاعتبار". بينما علَّق الرئيس الروسي على توقيع "إعلان التعاون التحالفي" بالتالي: "يُمثِّل ذلك بلا شك مرحلة جديدة في تطوير علاقاتنا، وذلك بات مُمكناً بما في ذلك بعد تحقيق تقدم في حل قضية "قره باغ"، رغم أنه لم تتم بعد تسويتها بالكامل"، فيما أشار الرئيس علييف إلى أن هذه الخطوة "مِثال على التعاون الذي تم إنشاؤه في السنوات الأخيرة من خلال النوايا والأفعال الدقيقة".
في عددٍ من الفضائيات الناطقة بالروسية، ضمنها "سي. بي. سي _أذربيجان"، يُشير الخبراء السياسيون إلى أن زيارة الرئيس إلهام علييف إلى موسكو إنما تختزن معنىً شاملاً وصلباً لجهة أن روسيا تُعتَبر ضامنة للأمن في المنطقة القوقازية، وهذا بحد ذاته يعني أن أولوية الدور الروسي إنما تصب في صالح أذربيجان لجهة "العلاقات الاتحادية" بين الزعيمين وبلديهما، وضمان استعادة أذربيجان لكل أراضيها المحتلة، واحدة منها "قره باغ الجبلية"، ولجم أمزجة التوسع الاستعماري والاستيطاني الأرمينية وانتهاك سيادة واستقلال أذربيجان، وهو ما جرى قبل ثلاثين عاماً، إذ إنهم في يرفان غير راضين عن هذه الزيارة، وكانوا يتمنون لها الخسران، وبعض المتطرفين الأرمينيين يتطلعون، بالرغم من هزيمتهم الساحقة في حربهم الأخيرة مع أذربيجان، إلى استمرار سياسة التوسُّع على حساب الآخرين، دون التفاتهم إلى القانون الدولي والوقائع الجديدة المُتشكِّلة على الأرض. إضافة إلى أن علاقات موسكو وباكو هي صِلات شراكة متواصلة، تنعكس بالضرورة إيجاباً على حسن التعامل والتعاون بين العالمين التركي والسلافي، أخذاً بعين الاعتبار أن عدداً كبيراً من المسلمين من أصل تركي يسكنون ويعيشون في روسيا كمواطنين ينتمون لروسيا منذ عهد بعيد، ما سيؤدي حتماً إلى تحسين مضطرد للروابط الروسية التركية بما في ذلك التفاهم الثنائي ولأن أذربيجان القوية خلقت أوضاعاً ووقائع جديدة في إقليم "القوقاز" برمته.
بقي أن نقول، إن "اتهامات" يرفان لقيادة الكرملين اليوم تتكاثر وتتسم بانتقادية حادة، لكن ذلك لن يَفتّ في عضد الرئاسة الروسية المدركة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن مستقبل مصالحها الجيوسياسية يكمن بالذات في علاقات طيبة وراسخة في كل المناحي مع أذربيجان المُنتصِرة في حربها الوطنية العظمى، وضرورة استعادة الدفق الروسي الأذري لا سيَّما وأن لأذربيجان تأثيرات لا حدود لها على سياسات العالمين العربي والإسلامي، ما يجب أخذه بعين الاعتبار الروسي، بخاصة في الأوضاع والتهديدات التي تتربص بروسيا أمريكياً وغربياً.
*متخصص في الشؤون الأذربيجانية والروسية.