الحزب الشيوعي الصيني في العصر الحديث وأثره الإيجابي في بناء العلاقات الدوليّة
الكاتب والصحفي السوري \ سامر كامل فاضل \ سوريا
يعود تاريخ الحزب الشيوعي الصيني في تأسيسه إلى عام 1921 في مدينة شانغهاي،
والذي يعتمد مبدأ المركزيّة الديمقراطية والتي تتيح حريّة الأفكار السياسية
ونقاشاتها انطلاقاً من السياسات الأساسية التي يرتكز عليها الحزب .
وقد اعتمد الحزب منذ تأسيسه على الإيديولوجيّة الماركسيّة اللينينية التي
اندمجت مع الحركة العمالية الصينية، وارتكز على عقيدة سياسية أساسها مواكبة
التطورات الداخلية والخارجية في البلاد، فالحزب الذي يتبنّى وفقاً لدستوره
الماركسية اللينينية أدخل كلمة الدين لأول مرّة في تاريخه في تعديلاتٍ على الدستور
في المؤتمر الوطني السابع عشر للحزب عام 2007 في إشارةٍ إلى أنّه ليس حزباً جامداً
في بنيانه بل يسعى إلى التطوير حسب المتطلبات التي يطرحها الوضع الجديد والتطلعات الجديدة
.
إنّ تأسيس الحزب الشيوعي الصيني كان الحدث التاريخي الذي أيقظ الشعب الصيني
و وضعه على درب الكفاح لأجل صنع حقبةٍ جديدةٍ من تاريخ الصين غيّرت مسار الدولة
بأكملها وأسست لمستقبل جديد للشعب الصيني الذي تمسّك بالحقيقة والمثل العليا
والتزم بمهمّة الحزب النضاليّة للنهوض بواقع الأمّة الصينية نحو نهضةٍ عظيمةٍ
سعياً لتحقيق رفاهية الشعب الصيني الذي بدأ يحقق المعجزات في تطوير مختلف القطاعات
في بلده، فهل أعظمُ من حزبٍ يبدأ مسيرته بخمسينَ عضواً عندَ تأسيسه ليٌصبحَ أكبرَ
حزبٍ حاكم في العالم بعدد أعضاء وصل إلى //95 مليون في عهد الرئيس شي جي بينغ الذي دمج
المبادئ الأساسيّة للماركسيّة اللينينية التي نشأ عليها الحزب مع ثقافة الشعب
الصيني وتقاليده ليَصلَ إلى النّهضة المنشودة لبلاده .
ويمكننا القول بأنّ الإنجازات العظيمة التي تحققت عبر مسيرة الحزب الطويلة
اعتمدت على أسسٍ كان أولها التفاف الشعب الصيني حول الحزب وقيادته وتمسُّكه بها
وبكل توجّهاتها، وبالمقابل نجد أنّ قيادة الحزب وضعت نٌصبَ أعينها مصلحةَ الشعب
الصيني أولاً وعدم انجرار الحزب لمصالح مجموعة معيّنة نافذة بالحزب أو مصالح
فرديّة ، فكانت الأولويّة لتحقيق سعادة الشعب الصيني وتقدُّمهِ والسير إلى تحقيق
النهضة العظيمة للأمّة الصينية آخذاً بعين الاعتبار الانفتاح الدائم على العالم
الخارجي ، وإقامة العلاقات مع دول العالم على أساس المنفعة المشتركة والمصالح
المتبادلة التي تعود بالخير على الجميع بعيداً عن أسلوب الهيمنة .
وفي العصر الحديث ومع قدوم الرئيس شي جي بينغ إلى السلطة كرئيسٍ للبلاد
وعلى رأس القيادة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني ، أخذ يعمل بأفكاره المتنورة حول
الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد لتكون بوصلة العمل نحو تقدُّم
وازدهار الصين ، وأطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق عام /2013 / بهدف تطوير التعاون الاقتصادي بينها وبين
الدول الواقعة على طول طريق الحرير التاريخي والتي غالباً هي دول فقيرة وضعيفة في
مجال الصناعة والتجارة الدّوليّة، وقد تطلّب هذا الترابط الاقتصادي بين هذه الدول
والصين بناء البنيّة التحتيّة الاقتصادية لهذه الدول ، وبات التعاون الاقتصادي له
القدرة على تمكين المناطق المحرومة في هذه الدول من التواصل مع العالم الخارجي من
خلال منصّات التداول الرقمي أو الشبكات الاجتماعية الصينية والذي كان له أثراً
إيجابيّاً كبيراً على المجتمعات الأكثر فقراً والتي كانت محاصرة سابقاً بسبب
عزلتها جغرافيّاً ، فارتقت هذه المناطق إلى مستويات معيشيّة أفضل ، وكان ذلك قد
برز جليّا في خطاب الرئيس الصيني شي ًجي بينغ في قمة مجموعة العشرين عام / 2015 / حين بيّن
إمكانيّة تحقيق نتائج طموحة من خلال التعاون بين بلدان مبادرة الحزام والطريق
بالدمج بين رقمنة طريق الحرير الصيني وأهداف التنمية المستدامة، وهنا تبرز طروحات
وأفكار الرئيس شي جي بينغ والتي كان أولها أنْ يعمل المجتمع الدولي على تعزيز
الشراكة والأمن والنمو والتبادلات بين الحضارات وبناء نظام إيكولوجي سليم، ولا
ننسى التصفيق الحاد الذي لقيه الرئيس شي جي بينغ من قبل الدبلوماسيين من كل أنحاء
العالم والحاضرين في قصر الأمم المتحدة في جنيف عام / 2017 / عندما
قدّم رؤيته و التي وصفها بيير بيكوارت (الخبير في شؤون الصين بجامعة باريس ) بأنها
من أجمل المفاهيم الفلسفية في التاريخ ، والتي اقترح فيها نهجاً للعلاقات الدولية
تقوم على التعاون المتبادل للمنفعة ومبدأ تحقيق النمو المشترك بين الحكومات
العالميّة لتحقيق الاستقرار الشامل والتنمية المتوازنة ، لنجدَ أنّ الصين أصبحت
على علاقاتٍ دبلوماسية مع / 180 / دولة بزيادةٍ كبيرة عمّا
كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي وهي /
30/ دولة .
لقد ساهمت أفكار الرئيس شي جي بينغ الحديثة والمتطورة في وضع الصين على
طريقٍ أنجزت فيه بناءً سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً عظيماً على كافة الأصعدة
عبر مراحل متعاقبة وسياسات تأسيس الدولة الاشتراكية والذي أعطاها طابعها الصيني المتميّز
والفريد ، حيث كان التركيز كبيراً على بناء الصناعات الثقيلة ومجمل القواعد
الاقتصادية والسياسية للاقتصاد الوطني والاعتماد على الذات وعلى بناء الإنسان
الصيني عبر نظام جيد للصحة والتعليم والبحث العلمي ، فكانت التجربة الصينية من
النماذج الدولية المميزة والفريدة من نوعها وذلك بفضل المعجزات الاقتصادية التي
تمّ تحقيقها بفضل سياسات الحزب الشيوعي الصيني وقائده الفذ شي جي بينغ ، إذ نجح
الاقتصاد الصيني بأن أصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي والمسيرة مستمرة ليُصبح الاقتصاد
الأول في العالم .
على المستوى الدولي دأب الحزب الشيوعي الصيني وخصوصاً في عهد الرئيس شي جي
بينغ على رفع راية السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك والالتزام باستراتيجية
الانفتاح القائمة على التعاون لإقامة علاقات دولية متميزة ،ولعلّ أهم هذه العلاقات
كانت بين الصين وروسيا بتوافقٍ نشأ لإعادة هيكلة الخريطة الأمنية المالية الدولية
في العالم الجديد منطلقاً من أرضية صلبة في جميع المجالات ، وقد نشأ هذا التوافق
في سياق وعي عالمي لخطورة التفرّد الأمريكي بالهيمنة على السياسات الدولية ، حتى
أثمر عن توقيع معاهدة الصداقة الصينية الروسية عام / 2001 / في موسكو
، وجسّدت نظرة البلدين كقوتين نوويتين لشكل النظام العالمي الجديد و ولادة حقبة
دولية جديدة متعددة الأقطاب استفادت منها الدول النامية والشرق الأوسط الذي أولته
الصين سياسة خارجية خاصّة والذي تمثل معظمه الدول العربية والتي أصبحت جزءاً من
استراتيجية الجوار الموّسع للصين وارتكزت في بناء العلاقات معها على خمس أسس هي
الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخّل في الشؤون
الداخلية للدول والمساواة والتعايش السلمي .
ويعتبر العالم العربي شريكاً مهماً للصين التي تسير بخطوات ثابتة على طريق
التنمية السلمية في مساعيها لتعزيز التعاون والتضامن بين الدول النامية ، وينظر
الجانب الصيني دائماً إلى العلاقات الصينية العربية من الزاوية الاستراتيجية
ملتزماً بتطوير وتعميق الصداقة التقليدية لهذه العلاقة كسياسة خارجية طويلة الأمد
، وقد دعمت الصين حركات التحرر الوطني العربية ، وتدعم نضال الدول العربية في سبيل
الدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة ترابها ، كما دعمت القضايا العربية في تطوير
الاقتصاد القومي وبناء الأوطان ، ووقفت إلى جانب عملية السلام في الشرق الأوسط
ودعمت قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام / 1967
/ وعاصمتها القدس الشرقية، كما دعمت خلو منطقة
الشرق الأوسط من الأسلحة النووية ، وبالمقابل دعمت الدول العربية الصين في قضية
تايوان وحقها في استرجاع السيادة عليها كجزءٍ تاريخيٍ منها ، فتطورت العلاقات
الصينية العربية لتًصبح الصين المستورد الأكبر للنفط من الدول العربية والتي أصبحت
بدورها المستورد الأكبر للمنتجات والبضائع والتكنولوجيا الصينية .
ومع هذا التعاظم للقوة الصينية والمكانة الدولية والقدرات الاقتصادية أصبحت
الصين قطباً أساسياً في العالم ، إذ إن نمط التنمية الصيني الذي لم تمانع الصين في
مشاركته مع الدول النامية وعلى رأسها الدول العربية للاستفادة من تجربة نجاح الصين
في الإصلاح والانفتاح أقلق واشنطن التي تسعى إلى استراتيجية إصلاح مختلفة في الشرق
الأوسط تضمن سيطرتها على قراراته السياديّة والتدخّل في شؤون الدول وتغيير أنظمتها
بحجّة الديمقراطية وفرض التبعية السياسية والاقتصادية على هذه الدول ومصادرة
قرارها ، بخلاف الصين التي تعتمد مبدأ الشراكة والتعاون والكسب المشترك .
وهنا نجد صعود الصين وتعاظم نفوذها أصبح واقعاً وحقيقةً تتأكد مع الوقت مما
يعطيها سلطةً في تشكيل قواعد النظام العالمي الجديد ورفض بعضها الآخر ، مما يتيح
للكثير من البلدان بتبنّي معايير جديدة ، فظهور قطبٍ جديد كالصين يمنح البلدان
الأخرى وعلى رأسها الدول العربية خيارات أكثر مما كانت عليه حقبة القطب الواحد ،
وبطبيعة الحال سينسحب هذا الواقع الجديد في النظام الدولي على الأنظمة الفرعيّة
ومنها الشرق الأوسط وتكرّس الصين زعامتها الدولية السياسية والاقتصادية على العالم
أجمع .