انحراف الجاهلية الحديثة، ونتائجها ؟!
المحامي علاء صابر الموسوي.
ان البشرية جميعاً ، وفي مختلف العصور والأزمان ، هي كبش الفداء ، وضحية الانحراف الجاهلي في هذه الحياة ، وهي التي تتحمل أوزار جرائمها ، ونتائج ضلالها ، والى هذه الحقيقة أشار القران شارحاً للإنسان مردوات الانحراف ، والفساد الجاهلي الذي يشوه وجه الحياة ، ويحيلها جحيماً ، وعذابا ، قال تعالى :
( ...... ياأيها الناسُ إنما بغيُكُم على أنفسكم ..) ، ( ظهر الفسادُ في البر والبحر بما كٓسٓبت أيدي الناس ليُذيقهم بعضٓ الذي عمٍلوا لعلهم يٓرجٍعون ) ، والقرآن عندما أطلق هذا التحذير ، ولوح بإشارة الخطر ، كان يستهدف دفع الإنسان إلى الوقوف بوجه الجاهلية ، والتصدي لجرائمها ، وانحرافها ليؤدي كل إنسان دوره ، ويتحمل مسؤوليته في الوقوف بوجهها ، والدفاع عن إرادة الحياة ، وخير البشرية .
ولعل ما تعانيه البشرية اليوم من الجاهليات المادية المنحرفة ....
وما جرى على الإنسانية من انحراف ، وتهتك وويلات ، وحروب مدمرة ، واستغلال الإنسان للإنسان وقتل لانسانيته ، ومصادرة لإرادته ، وحريته ، وتماد في استعباده ، والتحكم في مصيره ، وارغامه على العبودية. للطغاة ، والمتسلطين بدلا من عبوديته لله سبحانه ، لعل في كل ذلك دليلا قاطعا على الشقاء ، والمعاناة الإنسانية ، ووقوع الإنسان ضحية للأنحراف الجاهلي الفتاك ، وجنيه ثمار البغي والضلال ، الذي حذره القران منها ، ولفت نظره إليها ، عله ينصت إلى كلمة الحق ، ويندمج في مسيرة الخير ، اشفاقا عليه ، ورحمة به ، لئلا يخلد إلى الارتكاس في مستنقع الحياة الجاهلية ، أو يتمادا في التخبط في متاهات الضلال والضياع ، فيجني نتائج هذا الارتكاس والضياع ....
والمتتبع المستقريء لتاريخ الجاهلية ، حديثها ، وغابرها ، أن يسجل عليها النتائج الانحرافية التالية :
- طغيان التفكير المادي ، وغياب التفكير العقلي الذي يتسامى على المادية ، والنفعية والأنانية الجشعة ، والذي يوازن بين كل قوى الإنسان الروحية ، والمادية ، والأخلاقية ، ويحترم مصالح الآخرين ، ويحافظ على حقهم في الحياة .
فقد تسبب هذا التيار المادي المتحجر باغتيال القيم الأخلاقية ، وانتصار المقاييس الأنانية ، والنفعية التي اماتت ضمير الانسان ، وبلدت وعيه وإحساسه .
- ظهور الصراع والتآكل البشري بدلا من الوئام ، والحب ، والسلام ، والتعاون بين أبناء الإنسانية ، وحلول الفوضى والضياع الاجتماعي ، بدلا من الاستقرار ، والانضباط الأخلاقي ، والقانون المتزن فتحولت الحياة الإنسانية إلى غابة صراع وواحة دماء تقبع خلف قضبان من الظلم ، والارهاب ، والضلال .
فهذه الظاهرة ، ظاهرة الحروب والإبادة وسفك الدماء هي الميزة الكبرى المشتركة بين جاهليات الارض .
وهي الخطب المروع ضج منه الملائكة ، واستفسروا مستغربين : ( .... اتجعلُ فٍيهٓا مٓن بُفسٍدُ فيها ، وٓيٓسفكُ الدٍمآءٓ ..) ..
وتمتاز الجاهلية المادية الحديثة بلوغها بالدماء أكثر من آية جاهلية اندرست ، ونظرا لما تملك من وسائل الخراب ، وآلات الحرب والدمار الجماعي لذا فقد غاب السلام عن دنيا الارض ، وماتت خفقة الأمن ، والحب في كل قلب ينبض بالحياة .
- انهيار شخصية الفرد وتمزقها ، وغياب الوازع الذاتي ( موت الضمير الإنساني) الذي وصفه القران بقوله : ( ثُمٓ قٓسٓت قُلُوبُكُم مٍن بٓعدٍ ذٓلٍكٓ فٓهيٓ كٓالحجارةٍ أو أشدُ قسوة ...) ، وبموت الضمير مات الحس الإنساني ، وغاب الشعور بانسانية الآخرين ، فتلاشت الرؤية السليمة الواضحة ، وانسحب الإنسان إلى عتمة الظل والضباب ، بعيدا عن دائرة النور والضياء ، فاضاع المقاييس ، وزيف إرادة الخير ، وراح يخلط بين القيم ، ويتنكر للهدى والرشاد .
وهذه النتائج الحتمية للاتجاه الجاهلي التي انتهى إليها الإنسان هي النتائج والحصيلة المرة للتيه ، والبعد عن منهج الله ، ودعوة الانبياء وهي التي تحدث القران عنها ، ووضع الإنسان وجها لوجه أمامها ليعرف مسؤوليته ، ويختار دوره في الحياة ، فوصف تلك الحصيلة بالظلم ، والجريمة ، والطغيان ، والضلال ، والانحراف ، والوحشية ، والبهيمية ، فقال:
( فٓستٓكبروا وٓكانُوا قٓوماً مجرمين ) ، ( .. وٓإن يٓرٓوا سٓبيلٓ الىرُشدٍ لٓا يٓتخذُوه سٓبيلا ...) ، (... قٓد ضٓلُوا مٍن قٓبلُ وٓأٓضٓلوا كٓثبرا وٓضلُوا عٓن سٓواءٍ السبيلٍ) ، ( ظٓهرٓ الفسادُ في البرٍ والبحرٍ بٍما كٓسٓبٓت أٓيدي الناس ..) ، ( ... وٓمٓا ظٓلمناهُم وٓلكٍن كٓانوا أٓنفُسهُم يٓظلمون ) ....
والقرآن حينما وضع الإنسان أمام هذه الحقائق وشخص له تلك الظواهر أراد له أن ينتفض على واقعه الجاهلي ويغير صيغة الحياة الحضارة فيه ، فيبني حياته على هدى الإيمان ويشيد مجتمعه على أساس منهجه ورسالته مبتدئاً ببناء شخصيته ، وتغيير محتواه الفكري والنفسي .