وهب النصراني.... بقلم/ غالب خزعل
ما إن خطى خطواته الأولى أقترب منه رجل طاعن في السن يمشي الهوينا .
أدى تحية الإسلام فأجابه الفتى أيضا بتحية الإسلام .
فطلب الرجل العجوز قبل أن يدور الحوار بينهما : هل لك أن تصاحبني في هذا الطريق وأنا اخترتك لمصاحبتي لأنك تمشي الهوينا ولست مسرعا كباقي الفتيان .
صمت برهة وفكر إن مصاحبتي لهذا الرجل العجوز تضمن لي السلامة أولا وتبعدني عن مصاحبة الفتيان الذين ربما تصدر منهم إساءة لديني ومعتقدي أو يتهكم علي أحد بعد أن يتعرفوا على ديني . لا .. لا .. لا .. لا ... مصاحبتي لهذا الرجل الكبير هي أحسن لي قد يفيدني بمعلومات خافية عني ولم أعرفها . لكن مصاحبته لاتخلو من مخاطر أيضا , خاصة إذا وافاه الأجل سأتحمل إنا المسؤولية كاملة . نعم المسؤولية كاملة .
فقطع الشيخ صمته بما تفكر ياولدي ؟
هل أوجست خيفة من مصاحبتي ؟ لا يابني لاتخف فمن يركب بهذه السفينة نجا ، وتعلمنا في هذا الطريق فاقد شي يعطي وليس مايعطي , كما أعطى الإمام الحسين عليه السلام ألا تعرف حكايته ؟
يابني في مصاحبتي لك أجران , أجر المسير نحو كربلاء وأجر مصاحبتي .
سرها الفتى في نفسه ولم يبدها . لكن مخاوفه عادت أليه سريعا مكلما نفسه لو أن الشيخ عرف إني على غير دينهم وغير ملتهم ماذا سيفعله بي ؟!
الشيخ بدد مخاوفه بعد أن قال له ليتك وهب النصراني وترفق بي وتصحبني معك يافتى , أتمنى أن لاتكون كالذي أصابه الكبر وظل يقلب كفيه على مافرط به وهو حيران في أمره , أجبني لقد ارتفعت الشمس وارتفعت معها درجات الحرارة .. نعم سأصحبك وسأعتني بك غاية الاعتناء , لقد بزغت صورة أبي وهو يرعى جدي , لكن ياجد أريد منك أن تعلمني مما تعلمته من هذه المسيرة وسوف لن أثقل عليك بالأسئلة كثيرا وتحدث لي بما تعرفه عن الطف لأنني أغفل الكثير عنها.
إذن نبدأ على بركة الله أولى خطواتنا قالها الشيخ وهو صلى صلاتهم المعروفة وقد صرف الشيخ النظر عنها ولم يحدث الفتى بها ولم يسأله عنها, ولكن حتى لو علم بالفتى على غير دينه فإن الشيخ يدرك تماما إن الإمام الحسين عليه السلام إمام إلفة ومحبة للناس جميعا.
فإنطلقا سوية يمشون بخشوع وتذلل هكذا طلب العجوز من الفتى ثم أسرع الشيخ إلى منضدة فوقها كؤوس الماء فأخذ اثنان وعاد سريعا إلى الفتى وأعطاه كأسا وقال له أشرب لقد جفت شفاهنا ونحن نتحدث عن الصحبة . وقبل أن يشربوا الماء سأل الفتى ياجد أنت لم تتحدث لي عن الطف ومن هو المنتصر ومن هو الخاسر ؟
تحسر الجد حسرة طويلة وقال ؟
من تظن يابني الخاسر في هذه المعركة ؟
ــ الذين قتلوا بالطبع هكذا تعرف المعارك ولو أنها قسمة ضيزى .
هذا في منظور العساكر وقادتهم من يقتل هو المهزوم , لكن ياولدي معركة الطف قلبت موازين المعارك والانتصارات وجعلت المقتول هو المنتصر والخاسر هو القاتل وهذا يأتي من حكمة وحنكة قائدها الذي خطط للنصر وقلب موازين المعارك وانهزم القاتل وخسأ مذموما مدحورا لم يحصد غير لعن الله والأحرار في الدنيا وفي الآخرة وله نار جهنم خالدا فيها .
نعم قائد الثلة القليلة أستثمر قوة الإيمان التي تكمن في صدور الفتيان وأبرزهم الحسن المثنى ووهب النصراني ياجد لاتكمل قلت هناك نصراني . نعم وهب وأمه وزوجه ذلك الفتى الذي أعطى أروع الأمثلة في نصرة الحق الذي يمثله الإمام الحسين عليه السلام وهو حديث العهد بالزواج والشباب الذي يمثله الحسن المثنى وعلي الأكبر أما الكهول فنبراسهم الإمام العباس عليه السلام صاحب راية الإيثار ومن الشيوخ فذاك حبيب ومسلم وزهير وحتى الصبية الذين لم يبلغوا ومنهم القاسم ابن الإمام الحسن عليه السلام وكذلك الرضع الذي مثلهم عبدالله الرضيع والنساء اللواتي فضحن بسترهن وعفتهن انتصار العدو المزعوم وكسرن شوكة قادة البغي والعدوان .
ياجد دعنا نجلس على هذا التل الترابي وأفض علي بما تعرفه عن وهب النصراني وانتظرني حتى أعود بالماء .
جلس الرجل العجوز حتى عاد الفتى وهو يحمل الماء وما إن انحنى للجلوس حتى تدلى الصليب من عنقه فأمسكه الرجل المسن ونظر إلى الفتى نظرة مصحوبة بابتسامة , وقال له أنت نصراني ولك الحق أن تفتخر بوهب وأم وهب وزوج وهب لذلك سأقص عليك خبرا .
يابني كان وهب وأمه يسكنان على مقربة من واقعة الطف قبل وقوعها وقررت أم وهب أن تزوج ولدها الوحيد الذي عاش اليتم . وأمه نمت في نفسه نصرة الحق وبذل الغالي والنفيس , وقبل كل ذلك معرفة الحق ورجاله وما إن حاصرت جيوش البغي منطقة كربلاء وأحاطت بنهر الفرات حتى أكتملت مراسم زواج وهب , وأكتملت أستعدادات المعركة وباتت الثلة القليلة تقوم الليل وتقرأ القرأن فيما تموج الجيوش بالهرج والمرج ولم تمض سويعات من زواجه حتى أشرقت الشمس سمعت أم وهب الحق يطلب النصرة فهرعت إلى مخدع أبنها ونادت عليه ألا تسمع الحق يناديك ؟!
نعم ياأمي , سمعت , سمعت , سمعت لكن زوجتي ترفض خروجي ألا بشرط . يابني أذهب وسنذهب معك إلى المعركة فخرجا الاثنان من مخدعهما وقالت لها ماشرطك أريد مرافقة وهب في الجنة بالتأكيد يابنيتي أنت معه وذهب الثلاثة إلى ساحة المعركة ولم يرجع وهب إلى أمه وزوجه وزف إلى الجنة هكذا هم النصارى كانوا ومازالوا مصداقا للآية الكريمة {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران52 نعم هكذا كان وهب أمن بالله ونصر الحق ودفن مع أنصار الإمام الحسين عليهم السلام وأنت سيكون لك شأنا عظيما عندالله فرحم الله وهب وأمه وزوجه .. وفي الطف مغانم كثيرة لمن أتقى وعرف الحق وأهله ودافع عنهما سأرويها مادمت معي ..