• اخر الاخبار

    تضافر الجهود الصينية العربية والعمل يدا بيد لتقاسم المستقبل المشترك

     


    مجلة: "الصين اليوم"، الكاتب: كانغ كاي،

    عندما نستعرض مسيرة العلاقات الصينية- العربية خلال عام 2023، نجد أن الجانبين الصيني والعربي يواصلان تضامنهما وتضافرهما؛ فقد تعمقت الشراكة الإستراتيجية الصينية- العربية، وحققت مبادرة "الحزام والطريق" نتائج مثمرة لهما، وقدم كل منهما للآخر دعما قويا فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية لهما، وواجها معا مختلف التحديات العالمية والإقليمية، وضربا مثالا للتبادل والاستفادة المتبادلة بين الحضارات في العصر الجديد.

    البناء المشترك لـ"الحزام والطريق".. رحلة التآزر نحو نفس الاتجاه

    صادف عام 2023 الذكرى السنوية العاشرة لبناء مبادرة "الحزام والطريق"، التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ. وفي يومي السابع عشر والثامن عشر من أكتوبر عام 2023، عقدت في بكين الدورة الثالثة لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي، بمشاركة ممثلين من مائة وإحدى وخمسين دولة وإحدى وأربعين منظمة دولية. هذا المنتدى الذي بلغ عدد مخرجاته 458، وضع خططا لاتجاه التعاون العالي الجودة لبناء "الحزام والطريق" في المرحلة المقبلة.

    في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 2023، وقعت الصين والأردن ((مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة المملكة الأردنية الهاشمية بشأن التعزيز المشترك للتعاون في إطار مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين))، وبذلك تكون كل الدول العربية الاثنتين والعشرين مشاركة مع الصين في التعاون الدولي لبناء "الحزام والطريق".

    جدير بالذكر هنا، أن الرئيس شي جين بينغ، في كلمته بمراسم افتتاح المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني- العربي في يونيو عام 2014، وجه دعوة إلى الدول العربية للمشاركة في بناء "الحزام والطريق"، لتشكيل نمط التعاون "1+2+3"، الذي يعني اتخاذ التعاون في مجال الطاقة كقاعدة أساسية (1)، واتخاذ مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين (2)، والمجالات الثلاثة العالية التقنية للطاقة النووية والأقمار الاصطناعية الفضائية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق (3). وقد حظيت مبادرة الرئيس شي ودعوته باستجابة حارة من الدول العربية كافة بحلول عام 2023.

    من نافلة القول إن الصين والدول العربية شركاء طبيعيون في بناء "الحزام والطريق"؛ فالصين هي أكبر شريك تجاري للدول العربية منذ سنوات. في عام 2022، تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 442ر431 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية بلغت نسبتها أكثر من 30% وضعف ما كان عليه قبل عشر سنوات. وخلال السنوات العشر المنصرمة، زاد حجم الاستثمارات المتبادلة بين الصين والدول العربية أضعافا، ونفذ الجانبان أكثر من مائتي مشروع تعاون واسع النطاق في مجالات الطاقة والبنية التحتية في إطار "الحزام والطريق"، استفاد منها ما يقرب من ملياري شخص من الجانبين.

    بالنسبة للعلاقات الصينية- العربية، أضحت مبادرة "الحزام والطريق" حلقة ذهبية تربط الجانبين ربطا وثيقا.

    تطوير التحديث.. هدف مشترك لتحقيق نهضة الأمتين الصينية والعربية

    في الوقت الحاضر، تعمل الصين بشكل شامل على إنجاز الهدف العظيم المتمثل في بناء الصين لتصبح دولة قوية، وتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل بالتحديث الصيني النمط. وقد أشار التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني بوضوح، إلى أنه "من الآن فصاعدا، صارت المهمة المحورية للحزب الشيوعي الصيني هي الاتحاد مع أبناء الشعب من مختلف القوميات في أنحاء البلاد وقيادتهم لتحقيق هدف الكفاح عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية وهو إنجاز بناء دولة اشتراكية حديثة قوية على نحو شامل، ودفع النهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل بالتحديث الصيني النمط". إن طريق الصين إلى التحديث يختلف عن طريق الغرب، وهو ما يتسق إلى حد كبير مع إستراتيجية الدول العربية التي سلكت طريق التنمية المستقلة والمتنوعة.

    إن الدول العربية، وبعد أن مرت بتغيرات تاريخية عميقة، باتت تسعى إلى السلام والتنمية، وصار الإمساك بزمام مستقبلها ومصيرها رغبة لشعوبها وتيارا عارما فيها، فطفقت تعيد النظر في اتجاه تنميتها وتركز على التضامن والتعاون، وتبحث عن نموذج تنمية جديد، مع السعي لتحقيق نهضة الأمة.

    التنمية هي المهمة التي تعمل من أجلها كل من الصين والدول العربية. في السنوات الأخيرة، أصبحت التنمية الاقتصادية الهدف الأساسي للدول العربية، التي طرحت سلسلة من إستراتيجيات التنمية الطويلة الأجل، ومنها "رؤية ‏‏2030" للمملكة العربية السعودية، و"الرؤية الإستراتيجية للتنمية الاقتصادية حتى عام 2030" في مصر و"رؤية قطر الوطنية 2030" في ‏قطر، و"إستراتيجية التنمية الوطنية للسنوات الخمسين المقبلة" في الإمارات، و"رؤية 2035" ‏في الكويت. وفي عملية التعاون العالي الجودة في بناء "الحزام والطريق"، يمتزج ويتناسق التحديث الصيني النمط والتحديثات في الدول العربية مع بعضها البعض.

    التنمية هي "المفتاح الذهبي" لحل جميع المشكلات. تتميز اقتصادات الصين والدول العربية بالتكامل إلى حد كبير، ومع تعميق التعاون المتبادل المنفعة بين الجانبين، حقق نهج الصين لتعزيز السلام من خلال التنمية فوائد ملموسة لعدد كبير من البلدان العربية.

    في ظل التغيرات التي لم يسبق لها مثيل منذ قرن، أصبحت التنمية المستقلة والسلمية تيارا جديدا في العالم العربي. ومع التعزيز المستمر للتماسك الداخلي والاستقلال الإستراتيجي للبلدان العربية، ستكون البلدان العربية قادرة أيضا على الشروع في مسار التنمية المناسب لظروفها الوطنية.

    جهود الصين من أجل السلام والأمن الإقليميين

    في اليوم السابع من أكتوبر عام 2023، اندلعت جولة جديدة من الصراع بين فلسطين وإسرائيل. وحتى الثاني عشر من ديسمبر عام 2023، بلغ عدد المدنيين الذين قتلوا في قطاع غزة ما يقرب من عشرين ألفا، وبلغ عدد النازحين أكثر من مليون شخص، نتيجة للجولة الحالية من الصراع. يعاني قطاع غزة من نقص حاد في السلع الأساسية، ويشعر العالم بقلق شديد إزاء الأزمة الإنسانية الحادة هناك.

    منذ اندلاع الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قامت الصين بعمل مكثف من جميع الأطراف. وقد شرح الرئيس شي جين بينغ موقف الصين المبدئي من الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي، وأكد أن الصين مستعدة للعمل مع المجتمع الدولي لتعزيز تسوية مبكرة وشاملة وعادلة وطويلة الأجل للقضية الفلسطينية. ويواصل وزير خارجية الصين وانغ يي اتصالاته الوثيقة مع فلسطين وإسرائيل ودول المنطقة والمجتمع الدولي، ويعمل بنشاط على تعزيز محادثات السلام وخفض التصعيد. كما قام تشاي جيون، المبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط، بجولات مكوكية إلى الدول العربية للقيام بالعمل الدبلوماسي. فضلا عن ذلك، قدمت الصين أيضا مساعدة إنسانية طارئة لقطاع غزة من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية والأمم المتحدة، وستواصل تقديم المساعدات المادية وفقا لاحتياجات سكان غزة.

    في نوفمبر عام 2023، تولت الصين الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية- الإسرائيلية، وقفت الصين دائما إلى جانب السلام والعدالة والضمير الإنساني، ودفعت مجلس الأمن بنشاط إلى اتخاذ إجراءات مسؤولة وذات مغزى. وعملت الصين مع أعضاء مجلس الأمن لتسهيل اعتماد القرار 2712. وهذه هي المرة الأولى منذ نهاية عام 2016 التي يتبنى فيها مجلس الأمن قرارا بشأن القضية الفلسطينية- الإسرائيلية، والأولى منذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023.

    إن الجهود التي تبذلها الصين حاليا لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي هي استمرار لسياسة الصين الطويلة الأمد تجاه فلسطين. وفي مواجهة الحالة القاتمة لتهميش القضية الفلسطينية، قدمت الصين سلسلة من المقترحات السياسية لحماية ودعم الحقوق الوطنية الفلسطينية، وبذلت جهودا متواصلة لتعزيز التسوية السياسية للقضية الفلسطينية- الإسرائيلية. في الثلاثين من نوفمبر 2023، أصدرت وزارة الخارجية الصينية ((ورقة موقف الصين بشأن حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي))، التي تتضمن مقترحات حول تعزيز وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الأعمال العدائية وحماية المدنيين بجدية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية وزيادة الوساطة الدبلوماسية وتنفيذ حل الدولتين. لا تركز "ورقة الموقف" هذه على القضايا الملحة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الحالي فحسب، وإنما أيضا تركز على المبادئ الأساسية للتسوية السياسية المستقبلية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

    هذه السلسلة من الجهود المتواصلة دليل على تحمل الصين لمسؤوليتها ومضيها قدما في مواجهة الصعوبات من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وستلعب أيضا دورا مهما وبناء في إعادة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى مسار التسوية السياسية.

    قضية فلسطين لها تأثير على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ويجب إنصاف الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن. إن السبب الأساسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المستمر منذ عقود هو أن "حل الدولتين" قد تآكل، وأن الأراضي الفلسطينية محتلة بشكل غير قانوني لفترة طويلة، وأن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة قد تم تجاهله لفترة طويلة.

    لقد أثبتت الحقائق مرارا وتكرارا أنه لا يمكن تجاوز الطبيعة السياسية للقضية الفلسطينية، وأن الإدارة التدريجية للأزمة غير ممكنة، إن استئناف محادثات السلام الفلسطينية- الإسرائيلية على أساس "حل الدولتين"، هو السبيل الواقعي الوحيد لكسر الحلقة المفرغة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

    ستدافع الصين، كعهدها دائما، عن التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل على أساس حل الدولتين والتعايش المتناغم بين الشعبين العربي واليهودي؛ وستواصل العمل مع جميع الأطراف المعنية في المجتمع الدولي، لبذل الجهود لوقف الحرب وحماية المدنيين وتجنب وقوع كارثة إنسانية أكبر، والاضطلاع بدور مسؤول وبناء في تعزيز تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية في وقت مبكر.

    تعزيز التواصل بين قلوب الصينيين والعرب والاستفادة المتبادلة بين الحضارتين

    في مارس عام 2023، عندما انتهت "الدورتان" في الصين، كان السؤال المطروح في العالم هو: ماذا ستجلب الصين للعالم وهي تشرع في رحلة جديدة لبناء دولة قوية وتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية؟ وقد قدم الرئيس شي جين بينغ الإجابة: مبادرة الحضارة العالمية، التي جاءت في أعقاب مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي. إنها منفعة عامة مهمة أخرى تقدمها الصين للمجتمع الدولي.

    في أكتوبر عام 2023، عقدت الندوة العاشرة للعلاقات الصينية- العربية والحوار الحضاري الصيني- العربي بنجاح في الإمارات العربية المتحدة، بمشاركة نحو ثمانين ممثلا من الصين وثماني عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية. وقد أكد ممثلو البلدان المشاركة الدور الإيجابي للحوار بين الحضارات في حل النزاعات والعنف ونبذ التطرف، وأعربوا عن تقديرهم الكبير لأهمية مبادرة الحضارة العالمية في قيادة تقدم الحضارة الإنسانية.

    في الثالث من ديسمبر عام 2023، أصدرت الصين وجامعة الدول العربية البيان المشترك لوزارة الثقافة والسياحة في جمهورية الصين الشعبية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بشأن تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية.

    لفترة طويلة، تعزز التفاهم بين الصين والدول العربية، وتعلم بعضها من البعض ودعم بعضها البعض، وقدمت مثالا لتبادل التعليم والتعلم بين الحضارات المختلفة.

    في الوقت الحاضر، يوجد تخصص اللغة العربية أو دورات اللغة العربية في عشرات الجامعات والمعاهد العالية بالصين، كما تُقدم أكثر من مائتي مدرسة بالدول العربية دورات اللغة الصينية. وقامت الإمارات ومصر والسعودية وتونس ودول عربية أخرى بإدراج اللغة الصينية في مناهجها التعليمية.

    الشباب هم مستقبل الوطن وأمل الأمة ومستقبل الابتكار. في نهاية عام 2022، اقترح الرئيس شي جين بينغ في القمة الصينية- العربية الأولى ثماني مبادرات رئيسية بشأن التعاون العملي الصيني- العربي؛ ومنها مبادرة التعاون بشأن تنمية الشباب، ورسم المخطط الجديد لتعزيز التبادلات الودية بين الشباب الصينيين والعرب.

    منذ وقت ليس ببعيد، أجرت شركة علاقات عامة في دبي استطلاعا شمل 3600 شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما في 18 دولة عربية، وأظهرت النتائج أن 80% من الشباب العرب يعتبرون الصين حليفا، وتحتل المرتبة الأولى بين الدول التي تعتبر صديقة. كما أظهر عدد من استطلاعات الرأي السابقة أن شعوب الدول العربية، وخاصة الشباب، تعتبر الصين صديقا مخلصا وأخويا وجديرا بالثقة. إن نقل عصا التتابع للصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية يصب في المصالح الأساسية لشعبي الجانبين، وهو أيضا الرغبة المشتركة للشباب من كلا الجانبين.

    يصادف شهر يناير هذا العام، 2024، الذكرى السنوية العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي. مع الوقوف عند نقطة انطلاق جديدة في مطلع عام 2024، على أساس السلام والتعاون والانفتاح والشمول والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة، ستواصل الصين والدول العربية المضي قدما بروح الصداقة الصينية- العربية، وبناء شراكة إستراتيجية صينية- عربية رفيعة المستوى، وبناء "الحزام والطريق" العالي الجودة، والتعزيز المشترك للتنمية المستدامة لتعاون الجنوب- الجنوب، وتعميق التبادل والتعاون الشعبي، وتعزيز بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية، ومواصلة كتابة فصل جديد للصداقة الصينية- العربية.

    --

    كانغ كاي، معلق خاص لمجلة ((الصين اليوم)).

    ad728