سنابل جنوبية (الملا عطية حرج المرياني)
بقلم: عباس قاسم المرياني
شخصية دينية واجتماعية، ذو مواقف شجاعة ومشرفة، كسب هذه المكانة ببساطته المعروفة، وايمانه بالله وحبه لاهل البيت (ع).
ولد الملا عطية حرج نجم مزعل المرياني في محافظة ميسان قضاء الميمونة عام ١٩١٧، وترعرع في مناطق الارياف من اسرة بسيطة كانت تعتمد الزراعة والرعي في معيشتها.
الا ان طموح الملا عطية لم يقف عند هذا الحد، بل كان اكبر من ذلك، فهو يختلف عن اخوته في حبه للتعلم والمعرفة، وبسبب تضييق والدهُ عليه وعدم قدرته على الذهاب الى المدارس، كان يقوم اثناء رعي الاغنام بالتسلل الى الحلقات الدراسية، او ما تعرف بـ(الملالي) التي اشبه ما تكون بالمدارس الامية، فأخذ يتلقى الدروس فيها.
أخذت بوادر نباغته تظهر، وكان يصحب رجال الدين واصحاب المجالس الحسينية؛ ليتعلم منهم قضية الامام الحسين (ع)، واصبح تربطه علاقة متينة مع الشيخ (عبد الكريم الفالح) شيخ عشائر قبيلة البزون العام، الذي كان يدرس معه ايضاً.
تبحر في الامور الدينية والقرآنية، وبسبب طبيعة صوته الدافئ، ونبرته المحببه، فضلاً عن تواضعه وحب الناس له، اصبح من خدام المنبر الحسيني واطلق عليه عامة الناس لقب (الملا)، واخذ يعقد المجالس الحسينية في منطقته والمناطق المجاورة في محافظات ذي قار والبصرة وميسان.
لم تقتصر شخصيته على خدمة المنبر الحسيني، بل كان وجهاً اجتماعياً كبيراً؛ بسبب ما ورثه من اهله الذين كان لهم ارث في المجال العشائري في فض النزاعات والتوسط بين العشائر، الا انه زاد عليهم في ذلك بسبب الثقافة التي تلقاها، وقراءته للقرآن والمجالس الحسينية، فضلاً عن مرافقته للوجهاء والشيوخ منذ صغره، وتوفيق الله له بأداء مناسك الحج فجمع بذلك بين لقبي (الملا) و(الحاج).
امسى الملا عطية بعد التجارب التي مرَّ بها من كبار وجهاء عشيرته، ورغم ذلك لم يدعي انه شيخ او وجيه، بل استمر ببساطته المعهودة، وهدفه المنشود هو خدمة الناس من العشائر المحيطة به، كان يتنقل بين محافظات الجنوب لحل النزاعات العشائرية من جانب، وخدمة المنبر الحسيني من جانب اخر، ويبذخ من ماله البسيط لحل المشاكل بين المتخاصمين بحنكته وفطرته المعهودة، وبتوفيق من الله واهل بيته كان لا يسعى في مشكلة الا وانقضت، حتى اطلق عليه من قبل اهله واقاربه (ابو سبع گلبات) لما امتاز به من حنكة ودهاء في حل القضايا التي يسعى فيها.
اما عن مواقفه السياسية وبالرغم من انه كان يسكن المناطق الريفية البعيدة عن المدينة، وقلة التواصل بين المدينة والريف، الا انه برزت له مواقف سياسية مشهوده؛ بسبب وجاهته المعروفة، واسلوبه في كسب المتلقي، سعى بعد ثورة عبد الكريم قاسم عام ١٩٥٨م التي نادت بالاصلاح الزراعي بالمطالبة لتوفير المكائن لسقي الاراضي الزراعية له ولاقرانه من الفلاحين، وتم ذلك بعد جهود حثيثة بذلها، حتى اصبح كل من يحتاج أمر في مؤسسات الدولة يهب للملا يتوسط له.
ومن مواقفه المشهوده في زمن النظام البائد في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، قُدمت له عدد من الدعوات لمقابلة رئيس النظام البائد، وتكريمه كحال الشيوخ والوجهاء في زمنه، الا انه رفض ذلك معللاً؛ ان النظام كان جائراً ضالماً، وان الاموال التي يعطيها هي سُحت مالم توزع لجميع الشعب بالتساوي.
وكان له في زمن الحصار الاقتصادي الذي فرُض على العراق مواقف كريمة في مد يد العون للمعوزين بتوزيع المحاصيل التي كان يزرعها، فكان يوزع جزءً منها الى اهله واقرباءه، فضلاً عن العوائل الفقيرة والمتعففة، ومن المواقف التي اتذكرها معه عندما كنت في سن العاشرة تقريباً، في اثناء طريقنا الى الدار كنا نحمل كيس من التمر، فكان الملا كل ما مر على عدد من الاطفال في الشارع وزع عليهم التمر، فقلت له: أن الكيس سيفرغ، قال لي: ولدي هؤلاء مساكين لا يمكنهم الحصول عليه، أما نحن يدبرها الله لنا!!.
توفي الملا عطية بعد صراع مع المرض الذي لحق به وبقي يعاني منه مايقرب السنتين حتى توفي في محافظة البصرة عام ١٩٩٩م، واقيم له مجلس عزاء ضخم استمر سبعة ايام متواصله، حضرته اعداد غفيره من الشيوخ والوجهاء من المحافظات الجنوبية والفرات الاوسط.
لم يترك الملا عطية (رحمه الله) ارثاً مادياً او مالياً، بل ترك ارثاً اجتماعياً، وثقافياً، ودينياً كبير جداً، فقد سار اولاده على نهجه وبالخصوص الحاج (جاسم عطية) الذي يعُدَّ وجهاً اجتماعياً معروفاً على نطاق البصرة والمحافظات الجنوبية، فضلاً عن ذلك اصبح لاحفاده مكانة مهمة، منهم اساتذةً في الجامعة، ومنهم ضباطاً عسكريين، ومنهم من يسعون في عمل الخير ومساعدة الفقراء، ومنهم من سار على منهج الخدمة الحسينية.
رحم الله الحاج والملا عطية واسكنه واسع جنانه