• اخر الاخبار

    عندما تسقط الاوطان ..نحو منحدرات الخذلان.. بقلم / ثائرة اكرم العكيدي

    كاتبة وباحثة
    مرت (21 ) عاما ولا زلت أتخيل أن استشهادك مجرد حلم وأنّك على قيد الحياة، أتذكرك فابتسم مرة وأبكي ألف مرة رحمك الله يا أخي نفس الألم الذي كان بحنجرتي وقت موتك كنت اتسأل دائما ..
    أَتَألمتَ حين أتتكَ رَصاصةُ مُعتَدي
    ام مَحبتَ الشهادةٍ فِيكَ ايماناً وسٍلوانَ
    يا حُرقةَ الشوقِ في الأعماقِ ثائرةً
    يا عُمقَ جُرحٍ له في القلب إسكانَ
    فما أنا أول الباكين من كمدٍ
    فالشوق يا صاح إسرارٌ وإعلانَ
    وما أرى الدمع ضعفاً حين نسكبهُ
    لكنما الدمع للمشتاق مِعوانَ
    ماذا أقول؟ كلام الشعر يعجزني
    ولا يناسبني بحرٌ ولاأوزانَ
    فليس للشوق ألفاظٌ تترجمه
    وليس للحزن الذباح عنوانَ
    أقسى العذاب شعوراً لا أفسرهُ
    إلا حنيناً له في القلب طغيانَ
    هذا أخي غاب عني ليتني معهُ
    قد فرقتنا كما ضمتنا أزمانَ
    هذا أخي غاب ليت الموت أنصفَنا
    لطالما جمعتنا احضاناً وأوطانَ
    فكلما كادت الأحزان تقتلنا
    ترد أنفسنا صبرٌ وإيمانُ
    فقدُ الأحبة شيءٌ لا مثيل لهُ
    ولايُشبٍهُهُ في الارضِ أي فُقدانَ...
    لا أنتظر ردا وأعلم أني لا أملك من أمري شيئا ثم أوقن أن في الموت راحة وسكنا لمن رحل وموعظة وعبرة لمن بقي.. لكن الكتابة تهدئ الألم أحيانا وعلى حدودها يسكن فؤاد أنهكه الحنين. فالحمد الله على نعمة الإيمان الذي جعل الموت جسر عبور لا نهاية حاسمة .
    كيف يمكن الهروب من الم الغياب وحرقة الفقد فقد الاخ والامان والوطن والسيادة ومن منا في هذا الوطن لم ينل نصيبا بالفقد .
    مشهد اختلفت فيه المسميات مابين يوم سقوط بغداد واستشهادك واحتلال العراق ويوم التحرير وأكتمل برفع العلم الامريكي على حطام التمثال، وإعلان الجيش الأمريكي سيطرته على بغداد، ووسط حالة من الذهول والبكاء سيطرت على كل بيت عربي، وصرخات الرجال قبل النساء و الاطفال اتجهت أنظار تحدق وتراقب عن كثب عبر الفضائيات وشاشات التليفزيونات هذا الحدث الجلل وتداعياته من عمليات سرقة ونهب واسعة النطاق اجتاحت البلاد دون أي حماية امريكية بحجة عدم توفر العدد الكافي لحماية المواقع، وفوضى عارمة في بغداد وبعض المدن الأخرى ، ومن الأماكن التى تعرضت للنهب والسلب تاركة جروحا عميقة فى الذاكرة سرقة 170 ألف قطعة أثرية من المتحف الوطنى العراقي ..
    استيقظت في يوم 2003/4/9 على اصوات وضجيج تراء لي للوهلة الاولى انه يوم القيامه اشخاص يتراكضون محملين بكافة انواع السلع والبضائع.. وسيارات كبيره وصغيره محمله بما لايدركه العقل. والخاطر ....
    وقع وطني.. وسقط امانه وغابت شمس السلام عنه وودعته طيور النوارس كان يمشي مشية دائرية، يدور حول نفسه،
    حدثته، فلم يرد، ابتسمت له، فعبس كان لعبوسه في وجهي صوت يخبّرني أنه منذ ان اغتصبه ابنائه غادرته شرعية السمع وتطييب الخواطر سلبوا منه الرحمه .
    جلس وطني على سقف بيتي مجاوراً تماماً للثريا الأمريكية البسيطة، كان مضيئاً و مهيوباً، و يحمل في عينيه سلام الدنيا كله. فتح يديه أمامي و رأيت أصوات بكاء، رأيت أطفالاً يحملون الشموع و يصلون، و هناك قرب السبابة كانت بدايات دماء.
    و بينما أنا أراقبه واراقب اغتصابه لعدة ايام استفقدت اخي الذي كان يقاتل في معركة المطار اخي ( ثائر) الذي استشهد في يوم (4/7)اي قبل اغتصاب وطني بيومين.
    كابوس كان مخيف ومؤلم حد وجع الموت واستأصال الروح
    كيف ..ال اين سأهرب وأنا في بيتي .اردت الاستيقاظ من هذا الكابوس لكني لم افلح .
    عاودت النظر إلى مكان الوطن، لكنه ما عاد هناك.
    نظر اليه رجل كبير في السن وقال!!
    لا تبحثي عنه، لقد أعتقلوه.. هس هس هس .. لا تقولي لاي احد .. بس هذا الذي صار..ديري بالك ..طولّي إيدك ولا تطولي لسانك..هس هس هس ...
    كررت محاولة الاستيقاظ نظرت الى شاشة التلفاز لارى سقوط التمثال ..
    ينقل التلفاز على الهواء مباشرة، مشاهد لسقوط الصواريخ على المدن العراقية، كأنه فيلم السهرة العربي.
    جندي أمريكي ربما لم يسمع بالعراق يومًا ولا بحضارته ولا بتاريخه، يقف أمام تمثال الرئيس الأسبق صدام حسين في ساحة الفردوس في قلب بغداد، واضعا العلم الأمريكي على وجه التمثال معلنا عهدا جديدا في منطقة عانت الويلات، ومحضرا العالم لمستقبل مجهول ينتظر بلاد الرافدين
    انهارت بغداد بلاد الرافدين بلد الحضارات لقد سقطت بغداد سقطت العراق ومنذ ذلك اليوم و العراق يسقط يوميا تارة جراء الاحتلال الامريكى وتارة أخرى تحت المليشيات العميلة وتارة جراء الارهاب والطائفية وتنظيم داعش الذي انضم مؤخرا لقائمة مدمري بلاد الرافدين .
    وبين نهب الممتلكات وانتهازية السياسيين الذين دخلوا فوق ظهور دبابات الأمريكان .. ذكريات سوداء
    وصفحات لايمكن للعالم اجمع ان ينساها والعراقيين سنة بعد سنة يستذكرونها وقلوبهم تتمزق جراء سخطهم من حكوماتهم،لم يهدأ العراق منذ ذلك الحين، فقد تصدعت بنيانه، واستنزف إلى أقصى الحدود حتى كاد أن يتحول إلى شبح دولة، بل وإلى شبح أكثر من دولة، ولا يزال العراقيون يحاولون، وإن بصعوبة، تغيير مسار التاريخ الأمريكي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولولا ذلك لكان الحاضر ربما أشد خطرا مما مضى.كما شهد العراق تطور الجماعات الجهادية وصولا إلى تنظيمات الارهابية واستيلائه على أراضيه العراقية من قبل داعش ومايسمى بالدولة الاسلامية في عام 2014، قبل أن يشن التحالف الدولي للقضاء على التنظيم فالجميع يعلم من اوقد النيران ومن اطفاها.
    وفي ظل هذه المعارك وعدم الاستقرار تزايدت أزمات الكهرباء والبطالة، وتوسع فساد الحكومات المتعاقبة وديون لاحصر لها كما كان لتمدد النفوذ الإيراني في بغداد بالغ الأثر على الوضع السياسي، سواء من خلال دعم شخصيات سياسية محسوبة عليها، أو من خلال دعم قوات منفصلة عن الدولة ماسميت بالحشد كانت اغلبة فصائلها ايرانية المنشأ،
    ومنذ ذلك اليوم يعيش العراق في دوامة العنف والدمار والقتل اليومى على أيدى عصابات السلاح والمخدرات والمليشيات و تجار البشر وشهدت السنوات التالية على الغزو، انقسام العراق طائفيا، فحصلت الطائفة الشيعية على معظم الوزارات السيادية الى جانب رئاسة الحكومة فيما استأثر الأكراد بالحكم الذاتى فى إقليم كردستان العراق إلى جانب تزايد وتيرة العمليات الارهابية عبر السيارات المفخخة و العبوات الناسفة، و عمليات الاغتيال التى تطول الجميع دون إستثناء فضلا عن تعثر الخدمات الاساسية.
    مضت الأيام والشهور والسنون، وتعاقبت نافورات الدم وفورات العنف، وزاد الدمار والخراب واتسعت المأساة حيث فقد مئات الآلاف من الأبرياء حياتهم، وأجبر أمثالهم على ترك مدنهم وقراهم ومنازلهم، بحثًا عن خيمة آمنة تأويهم وأسرهم، وكسرة خبر تقيم أودهم.
    ووصل السيل الزبى ليكتشف العراقيين بعدها ان بلدهم مختطف من عصابات وعملاء وفاسدين الذين فرطوا بمصالح الوطن والشعب ليشهد العراق بعدها انتفاضة هي الاكبر منذ السقوط ثورة تشرين كان من المؤمل لها ان تكون ولادة استثنائية تغير كل ماجرى من ظلم واستبداد .
    وإجمالي القول أن التاسع من أبريل عام 2003 يوم خلده التاريخ، مثلما خلد مآسي مرت على بغداد منذ عهود طويلة
    بتلك المشاهد بدأ تاريخ جديد في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط بكاملها، تاريخ دموي عنيف فتحت خلاله نافورات الدم وانهالت معاول الهدم تحطم ما تبقى من معالم في هذه المنطقة التي شهدت ميلاد أبهى الحضارات وأعظم الصروح.
    عندما جاء الأمريكان وحلفاؤهم بكل أدوات الفتك، وأرفقوا غزوهم بأكاذيب عن أسلحة الدمار الشامل وغيرها وظلوا سنوات ينقبون العراق ويحفرون فيه بحثا عن سراب، وحين لم يجدوا ما يحفظ ماء الوجه، لم يتأثروا كثيرا، وأعلنوا أنهم يحملون الديمقراطية والحرية إلى هذه البلاد التي أنهكتها دكتاتورية الاشخاص والاحزاب اكثر مانهكها دكتاتورية الفرد فأذاقت الأمرين.
    المفارقة أن الإمبراطورية الأمريكية التي تمكنت بسهولة من تدمير تمثال صدام حسين وسط بغداد، لم تستطع بكل شعاراتها البراقة وادعاءاتها المدعومة بجبروت القوة الغاشمة، طيلة سيطرتها المباشرة على العراق من كتابة حتى مجرد سطر واحد مضيء في تاريخ بلاد الرافدين الجديد، لم يزرع الأمريكان في العراق إلا الأشواك والعواصف، ولم يحاولوا حتى التظاهر بأنهم يمهدون الأرض ليغرسوا بذور ديمقراطيتهم، لم يفعلوا ذلك بل حرثوا الأرض بالملح كما فعل الرومان مع قرطاجة.
    ثائرة اكرم العگيدي
    ad728