ما بين الجوكر والذيل تاهت القيم الاخلاقية \ بقلم عباس قاسم المرياني
ما بين الجوكر والذيل تاهت القيم الاخلاقية
امتاز المجتمع العراقي بقيمهِ الاخلاقية، وترابطه الاجتماعي، والمحبة بين ابنائه التي نادراً ما تجدها لدى المجتمعات الاخرى، الا ان بين الحين والاخر تطفو على سطح هذا المجتمع مصطلحات دخيلة لا يُعرف مصدرها، وتنوعت هذه المصطلحات ومنطلقاتها نظراً للحالة او الظرف الذي يمر به المجتمع، الا ان هذه المصطلحات رغم تعددها كانت تؤثر سلباً او ايجاباً على من اطلقت عليهم، وليس على فئة واسعة من المجتمع.
لكن ما نشاهده في الاونة الاخيرة وتحديداً اثناء فترة التظاهرات التي اجتاحت معظم محافظات العراق في السنة السابقة، برز لنا مصطلحين متضادين استخدما بشكل واسع وكبير وهو (الجوكر) و(الذيل)، وكل من هذين المصطلحين عُمم على فئة من المجتمع العراقي، فالجوكر اطلق على الذين نددوا بالدور الايراني وتدخله في الشأن العراقي حسب زعمهم، وانهم كانوا يتلقون الدعم من السفارات الامريكية، بينما الذيل اطلق على الفئة التي كانت ترى ان النظام الايراني نظام اسلامي له دور في دعم العراق وشعبه، ولولاهم لكان العراق يرزخ تحت الاستعمار الامريكي، "فبين حانه ومانه ضاعت لحانه"
بغض النظر وبتجرد عن الدور الامريكي والايراني الا ان هذه المصطلحات احدثت حالة من التشقق والتناحر بين فئات المجتمع العراقي نفسه؛ لأنها من نتاج السياسات الولائية اللا واعية، ولا زالا المصطلحين يتداولا في الشارع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي، وكأن بلد مثل العراق الذي تاريخه اقدم واعرق من بلدان العالم بكثير تابع لهذا وذاك، ولا بد ان نعي ان هذا التناحر والتمزق بين فئات المجتمع كاد ان يشعل حرباً اهلية وفوضى عارمة لو لا فضل الله ولطفه.
ان بلد مثل العراق الذي كان مصدر الثقافة والعلم، فمنه انطلقت اول الدساتير، وبه اكتشفت العلوم والمعارف الاخرى، ومنه ظهر العلماء والفلاسفة والمفكرين، وتبرز فيه هذه المصطلحات الدخيلة ما ينم الا عن ضعف وانحدار العقل البشري العراقي، الذي اصبح وسيلة للسياسات الدولية التي تهتم بمصالحها فقط لا غير.
واذا اردنا التخلص من هذا التحدير والاستغفال للعقل العراقي، ومحو هذه المصطلحات التي تغلبت على القيم الاخلاقية التي يتمتع بها المجتمع العراقي، وكل ما من شأنه ان يلوث ويشوه هذا المجتمع علينا الرجوع الى سياسات الدولة وجديتها في تطوير المؤسسات التعليمية والثقافية، ومحاربة ظاهرة الجهل المستشري في البلد بشتى الوسائل المتاحة، وتبني سياسة خارجية حكيمة لا تسمح بالتدخل في الشأن العراقي وتوازن بين العلاقات الدولية، وعدم السماح بفرض سياسات معينة وجعل المجتمع وسيلة للوصول الى هذه السياسات، فضلاً عن ذلك يجب على الحكومات فتح مراكز ثقافية لتطور قدرات الشباب واستغلال طاقاتهم لخدمة البلد لا خدمة الخارج، وابعاد الجهات الحزبية المناوئة لهذه الجهة الخارجية او تلك من استغلال المجتمع وتسيسه لمصالحها.
وفوق ذلك كله يجب ان تكون هناك رغبة جدية من الحكومات في تطبيق ذلك من خلال سن وتشريع القوانين الخاصة بذلك، والعمل على تطبيقها هذا من جانب، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني الحقيقة ومنظمات حقوق الانسان في تطبيق ذلك ايضاً من جانب اخر.