الرهان ..قصة قصيرة من الادب الانكليزي كتبها انطوان تشيخوف وترجمتها للعربية ريام يعقوب يوسف
الرهان
ترجمتها للعربية : ريام يوسف يعقوب
هي قصة قصيرة كتبها أنطون تشيخوف عام 1889 حول مصرفي ومحام شاب يراهنان مع بعضهما البعض بعد محادثة حول ما إذا كانت عقوبة الإعدام أفضل أم أسوأ من السجن.
كانت أمسية خريفية معتمة. الصيرفي العجوز يخطو ذهابا ومجيئا في حجرة المكتب. يفكر في دعوة أقيمت قبل خمس عشرة سنة. في تلك الدعوة اجتمع العديد من الرجال الموهوبين. تبادلوا أحاديث جادة ومهمة. في تلك الأحاديث ناقش الحاضرون عقوبة الموت.
كان
من بين الضيوف بعض العلماء والصحفيون. العدد الأكبر منهم قد أصبح حزبياً يعارض
عقوبة الموت، اعتبروا هذه الطريقة في العقاب قديمة وغير أخلاقية لا تناسب البلدان
المسيحية. عدد كبير منهم أكد أن عقوبة الموت يجب أن تستبدل بعقوبة السجن مدى
الحياة.
" لا استطيع مشاطرتكم آراءكم " قال المضيف. " إنني
لم أجرب لا عقوبة الموت ولا السجن مدى الحياة، لكن كان باستطاعة المرء أن يحكم
بشكل أولي، ويرى أن عقوبة الموت أكثر أخلاقية وإنسانية من السجن. الإعدام يقتل
المحكوم مرّة واحدة وفورا، لكن السجن يقتله ببطء. أي جلاد هو أكثر إنسانية ذاك الذي
يقتلكم خلال بضع دقائق أم الذي يسحب حياتكم من أجسادكم خلال سنوات عديدة؟ .
" كلتا الطريقتين متشابهتان لا أخلاقيا، " علق احد
الضيوف. " لأنهما تصلان إلى الهدف نفسه، هو خطف حياة المرء. الحكومة ليست
الخالق. ليس لها الحق إطلاقا أن تأخذ ما لا تستطيع إرجاعه إذا ما أرادت".
كان
من بين الضيوف محامي شاب في الخامسة والعشرين. وحين طلب رأيه قال: " أنا مع
الرأي بان الحكم بالموت أو السجن مدى الحياة كليهما خال من الأخلاق والإنسانية،
لكن إذا طلب مني الاختيار بينهما، سأختار السجن. ما دامت هناك حياة فالاحتفاظ بها
أفضل من فقدانها. " نقاش ساخن دار بين الضيوف. الصيرفي الذي كان في حينها
أكثر شبابا وصرامة، ضرب بقبضة يده الطاولة وصرخ وهو يلتفت إلى المحامي الشاب:
" هذا غير صحيح. أراهن بمليونين على انك لن تتحمل البقاء خمس سنوات في
السجن".
" إذا كنت جادا في رهانك، أراهن أنني سأتحمل ليس خمس سنوات بل
خمس عشرة سنة في السجن" قال المحامي.
" خمس عشرة سنة؟ رائع، " صرخ الصيرفي. " أيها
السادة أنني أراهن بمليونين. "
" موافق. تضع أنت مليونين، وأنا أضع حريتي مقابل ذلك ."
والآن
وصل ذلك الرهان الوحشي والذي لا معنى له إلى اللحظة الحاسمة. الصيرفي الذي كان حين
الرهان لا يعرف كم من الملايين في حوزته، صار يشعر بالخزي والغباء. في وقتها كان
مسلوب العقل مأخوذا بالرهان. وتحت تأثير السكر مزح مع المحامي قائلا: " فكر
جيدا أيها الفتى قبل أن يصبح التراجع مستحيلا، بالنسبة لي فان المليونين مبلغ
تافه، لكنك ستغامر بخسارة ثلاث أو أربع سنوات من أجمل سنوات عمرك. أقول ثلاث أو
أربع لأنك لن تستطيع البقاء مدة ابعد من ذلك. لا تنسى أبدا اليأس والحزن اللذين
سيرافقانك في السجن، فالحبس الاختياري أقسى بكثير من الإجباري. التفكير في كل لحظة
أن لك الحق في التراجع والعودة إلى حريتك كفيل بان يسمم حياتك كلها. اعتقد بأنك
تُذنب في حق نفسك. "
فكر
الصيرفي في كل ذلك بينما كان يذرع مكتبه مجيئا وذهابا، ليسال نفسه، ما الذي كسبته
حقا من هذا الرهان؟ ما الذي استفدته من أن يخسر الشاب خمس عشرة سنة من عمره؟ ومن
أن اخسر مليونين وكأنني القيهما في الشارع؟ هل سيوضح هذا الرهان للناس أن الحكم
بالموت هو أسوأ أو أفضل من السجن مدى الحياة؟ بالتأكيد لا. إنها فقط حماقة وغباء
لا معنى لهما من جهتي. كل ذلك كان فقط فكرة اقتحمت رأس رجل أصابه المال والتخمة.
أما من جانبه فقد كان الطمع بكل بساطة .
أنكر
الصيرفي على نفسه الذي حدث بعد تلك الليلة المشهودة. لقد تحقق أن المحامي سيقضي
فترة أسره تحت حراسة شديدة. لا يغادر باب غرفته ولا يرى مخلوقا واحداً.لا يسمع
صوتا لإنسان، لا يرى صحيفة أو رسالة. وسمح له بالحصول على آلة موسيقية وقراءة
الكتب وكتابة الرسائل والتدخين وتناول النبيذ. وعلى أساس الاتفاق، لا تعود له أية
صلة بهذا العالم الواسع، غير انه يستطيع النظر من خلال نافذة صغيرة أشبه بالكوة.
كل الذي سيحتاجه من كتب وورق ونبيذ، يحصل عليها بطلب مكتوب وبالكمية التي يريد.
لكن فقط من خلال النافذة. دُرس الاتفاق وقام بالتوقيع على كل التفاصيل التي من
شانها فرض عزلة حقيقية كاملة. يلزم المحامي نفسه بان يبقى في عزلته تماما خمس عشرة
سنة. تبدأ الساعة 12 من نهار 14 نوفمبر 1870 وتنتهي الساعة 12 من نهار 14 نوفمبر
1885 . وان أية محاولة وان كانت بسيطة من جانب المحامي في كسر شروط الاتفاق، حتى
لو كانت هذه المحاولة قبل دقيقتين من نهاية المهلة، يحل الصيرفي نفسه من تنفيذ
الاتفاق ودفع مبلغ المليونين.
خلال
سنة حبسه الأولى، عانى المحامي بقدر ما يتخيل المرء ويحكم من خلال رسالته القصيرة
من القسوة والعزلة والرتابة. وكانت تسمع من جناحه أنغام البيانو ليلا ونهارا وبشكل
متواصل. لقد تخلى عن النبيذ والدخان وبدأ في الكتابة مشيرا إلى أن هذه الأشياء
توقظ فيه الرغبة إلى الصحبة، والرغبة هي العدو الأسوأ للأسير. إذ لا يوجد أكثر
إضجارا من أن يشرب المرء أجود أنواع النبيذ وحيدا كذلك فان التبغ سيفسد هواء الغرفة.
خلال هذه السنة اُرسلت إليه كتبا بسيطة ومسلية، بعض الروايات التي تتحدث عن
الدسائس المعقدة التي يلعب فيها الجنس الدور الأهم، بعض القصص الخيالية والبوليسية
والكوميدية.
خلال
السنة الثانية صمتت الموسيقى، وقد عبر المحامي في إحدى رسائله عن رغبته في
الموسيقى الكلاسيكية فقط.
في
السنة الخامسة عادت الموسيقى لتُسمع من جديد، ورغب الأسير في بعض النبيذ. قال
الذين تابعوه من خلال النافذة الصغيرة: " انه لم يمارس نشاطا خلال ذلك العام،
سوى تناول الطعام والشراب والاستلقاء على سريره. غالبا ما كان يتثاءب ويتحدث مع
نفسه بعصبية، لم يقرا. العديد من الكتب التي كانت معه بقيت في أماكنها. كان في بعض
الليالي يجلس طويلا ويكتب، يكتب ويمزق حتى يأتي الصباح حيث يمزق البقية الباقية
مما كتب إلى قطع صغيرة. ونادرا ما كان يُسمع بكاؤه."
في
النصف الثاني من السنة السادسة بدا السجين يعمل بحماس في دراسة اللغات والفلسفة
والتاريخ. أعطى كل اهتمامه لهذه العلوم، صار كالجمرة المتقدة وهو يتابع هذه
الموضوعات إلى درجة كان الصيرفي بالكاد يستطيع توفير الكتب التي يطلبها.
خلال
أربع سنوات وصله من المجلدات 600 مجلد بناء على رغبته. وفي الفترة نفسها، أرسل
السجين إلى الصيرفي هذه الرسالة:
" سجاني العزيز..
اكتب
إليك هذه السطور بست لغات. أرجو منك عرضها على أناس خبراء. واطلب منهم قراءتها.
إذا لم يجدوا فيها أي خطأ. أرجو منك تحقيق رغبتي في إطلاق رصاصة واحدة في حديقة
منزلك. هذه الرصاصة ستقول لي أن جهودي لم تذهب عبثا. عباقرة كل زمان ومكان يتحدثون
لغات عديدة مختلفة. في كل هؤلاء تتقد الجمرة ذاتها، وتضيء الشعلة نفسها. لو علمتم
أية سعادة مرعبة عايشت روحي لكي افهم هؤلاء. "
تحقق
رجاء السجين حين أعطى الصيرفي أوامره بإطلاق رصاصتين في الحديقة.
بعد
السنة العاشرة، كان السجين يجلس أمام طاولته هادئاً يقرأ النصوص المقدسة فقط. كان
هذا الأمر يبدو غريبا بالنسبة للصيرفي. أن الرجل الذي استطاع قراءة 600 مجلد خلال
أربع سنوات، يضيع حوالي سنتين في قراءة بعض كتب الفقراء البسيطة، وهي ليست بذاك
السمك كما هي المجلدات. بعد الإنجيل جاء دور تاريخ الأديان وعلم اللاهوت .
خلال
السنتين الأخيرتين عاد السجين ليقرأ من جديد دون تحديد وكيفما اتفق من علوم
وموضوعات، ثم انشغل بالعلوم الأكاديمية، بعد ذلك أعرب عن رغبته في كتب ( بيرون
وشيلر). أحيانا كان يكتب أثناء دراسته بعض الكتب الخاصة بالكيمياء والطب، يكتب
رواية أو بحثا في الفلسفة أو اللاهوت. كان في وضعه ذاك كمن يسبح في بحر وسط حطام
سفينة.
فكر
الصيرفي بعد ذلك وتذكر أنه إذا وفي الساعة 12 نهارا سيستعيد السجين حريته. وبناء
على الاتفاق يتوجب عليه أن يدفع مليونين. إذا حدث ذلك ستكون نهايتي، سيكون في ذلك
دماري التام.
قبل
خمس عشرة سنة، لم يكن يعرف كم من الملايين هي ثروته. اليوم يشعر بالرعب لمجرد
التفكير في سؤال كهذا. اهو ثري بالأموال أم بالديون. لعبة البورصة الخطيرة،
المضاربات المرهقة والتعب الذي لم يشعر به طيلة حياته، كما يشعر به في الوقت
الراهن، كل ذلك يوشك أن يحطمه. لقد جعل ذلك أعماله تتحول من أسوأ إلى الأسوأ
تدريجيا. أما رباطة الجأش والأمان النفسي والثقة ورأس المال الهائل، كلها فقد
حولته إلى مصرفي يرتعد خوفا عند كل صعود وهبوط. " ماذا اشجب، ومن أدين؟
".
لماذا
لا يموت هذا الرجل؟ لقد أصبح في الأربعين. سيأخذ مني آخر فلس املكه. سيتزوج ويضارب
في البورصة وسيستمتع بحياته. وأنا سأشاهد ما يحدث، وأنظر إليه نظرة حسد وكأنني
متسول، وفي كل يوم سيُسمعني الجملة نفسها: " أود أن اعبر لكم عن شكري على ما
وفرتموه لحياتي من سعادة، اسمحوا لي أن أقدم لكم بعض المساعدة!"
لا...
إن ذلك لا يمكن أن يحدث. إن خلاصي الوحيد وابتعادي عن الإفلاس والخراب والخزي هو
في موت هذا الرجل.
الساعة
تدق معلنة الثالثة صباحا. أصغى الصيرفي. جميع من في المنزل نيام. لا يُسمع سوى
صفير الريح وهي تصفع الأشجار المتجمدة يأتي من خلال النافذة. في هذا الوضع حاول
العجوز أن يتحرك من دون أن يُحدث أي صوت.سحب مفتاح خزانة السلاح التي لم تُفتح منذ
خمس عشرة سنة. ارتدى معطفه وتوجه إلى خارج الغرفة. في الحديقة كان الجو معتما،
وكان المطر يثير ضجة فيما تصفر عاصفة متوحشة بين الأشجار لا تتركها هادئة. أجهد
الصيرفي نفسه ليرى. لا يمكن للمرء في هذا الطقس أن يرى الأشجار ولا الأرض ولا تلك
التماثيل البيض. حين اقترب من المكان الذي يقبع فيه جناح السجن صرخ مرتين مناديا
الحارس دون أن يأتيه رد. من الواضح أن الحارس كان يبحث عن مكان يحتمي به من
العاصفة، وهو نائم الآن في مكان ما في المطبخ أو المخزن.
فكر
الصيرفي لو تشجعت قليلا ونفذت فكرتي، فان الشكوك ستُثار حول الحارس أولا. تحسس
طريقه في العتمة باتجاه السلم ثم الباب ودخل الردهة.بعد ذلك تلمّس طريقه إلى ممر
ضيق. أشعل عود ثقاب. هناك سرير وحيد من دون أغطية، وفي إحدى الزوايا لمح موقدا.
الختم على الباب المؤدي إلى غرفة السجين مازال على حاله. حين أنطفأ عود الثقاب،
نظر العجوز بحركة لا إرادية خلال الفتحة الصغيرة إلى غرفة السجين. بصيص شمعة باهت
ينير المكان، السجين يجلس أمام طاولته، لا يرى منه سوى ظهره وشعره وذراعيه. نقر
الصيرفي بإصبعه على زجاج الفتحة، لم يجب السجين ولم يبد أي حراك. هنا رفع الصيرفي
الختم عن الباب باحتراس شديد، وضع المفتاح في فتحة القفل، اصدر المفتاح صوتا
مبحوحا باحتكاكه مع المغلاق الصدئ، وصرّت الباب. انتظر الصيرفي متوقعا أن يسمع
فورا استغاثة أو صراخا مفاجئا. لكن ثلاث دقائق مرت استمر خلالها وبعدها الهدوء
داخل الغرفة. لذلك قرر الدخول. عند الطاولة ثمة شخص كان يجلس دون حراك. كان يبدو
مختلفا عن الآخرين تماما. كان أشبه بهيكل عظمي تحت غطاء من الجلد بشعر نسائي مجعد
ولحية ملبدة. البشرة كانت صفراء كالشمع مع ظلال خضراء داكنة، الوجنتان غائرتان،
الظهر نحيف وطويل واليد التي تسند الرأس كثيف الشعر كانت بمنتهى الدقة والنحافة.
كان مجرد النظر إليها يثير الرعب. في شعره لمعت خيوط فضية. أمام منظر الوجه
المتهاوي، لا يمكن لأحد أن يصدق أن صاحبه في الأربعين من عمره. كان نائما وقد
استلقت أمامه على الطاولة رسالة هي آخر ما كتبه بخط يده. ما الذي كتبه بهذا الخط
المتعرج وهذه الحروف المتهالكة؟ مسكين أيها الرجل،فكر الصيرفي. انه ينام على
الأرجح ويحلم بملايينه. لكنني لن احتاج إلى أكثر من سحب هذا المخلوق نصف الميت
وإلقائه على السرير وقطع أنفاسه بسهولة بواسطة وسادة، دون أن يستطيع أعظم المحققين
قدرة على أن يكتشف أثرا لأي عنف أو مقاومة في عملية القتل، لكن قبل ذلك لأرى ما
كتب في رسالته :
في
الغد وفي الساعة الثانية عشرة ستعود لي حريتي وحقي في العيش بين الناس، لكن قبل أن
اترك هذه الغرفة وارى الشمس، اعتقد من الضروري أن أقول بضع كلمات بضمير نظيف وأمام
الله الذي يراني، أقول بأنني احتقر الحرية والحياة والصحة وكل شيء في كتبكم يدعى
سعادة الحياة وفرحها. خلال خمس عشرة سنة درست الحقوق بنشاط ومثابرة، ودخلت الحياة
الحقوقية، لم أرى في الواقع لا الناس ولا الأرض، لكن في كتبكم شربت نبيذا متبّلا،
أنشدت الأغاني، طاردت الأيائل في الغابة لاصطيادها وعشقت نساء كالفراشات كوّنتها
الخيالات الشعرية لشعرائكم، زرنني في الليالي وهمسن لي بقصص رائعة فَتنتْ أثملت
قلبي. في كتبكم تسلقت القمم في أعالي ايلباروس ومونت بلانكس، ومن هناك شاهدت شروق
الشمس وولادة الصباحات وكيف ينسحب الليل من السماء، من المحيطات وقمم الجبال، مع
الذهب والأرجوان رأيت كيف تتجزّأ الغيوم وكيف تكذب البروق. رأيت الغابات الخضر،
السهول والأنهار،البحار، المدن، وسمعت غناء جنيات البحر وترانيم نايات الرعاة،
ولمست أجنحة الجنّ الشفافة التي كانت تجئ طائرة اليّ في غرفتي، لتحدثني عن الله.
في كتبكم اندفعت ساقطا في هاوية بلا قرار. في كتبكم أبدعت الهاوية ، ارتكبت
الجرائم، أحرقت المدن، قدمت المواعظ لأفكار جديدة واقتحمت الممالك.
كتبكم
وهبتني الحكمة. وكل الأفكار الإنسانية التي لا تكل والتي تكونت عبر قرون اجتمعت مع
بعضها في تلك الكتلة الصغيرة داخل رأسي. أنا اعلم إنني أكثر حكمة وأوسع عقلا منكم
جميعا. أنا احتقر كتبكم واحتقر كل مسرّات العالم وحكمته. كل شيء لا قيمة له، إلى
زوال، شفاف وفاضح، مخادع مثل سراب. ما معنى ذلك؟ إذا كنا حكماء فخورين وجميلين،
فان الموت سيكنسنا جميعا من الأرض بنفس الطريقة تماما كفئران تختبئ تحت الأرض،
وسيأخذ معه سلالاتنا وتاريخنا. تلك العبقرية الخالدة ستحترق أو ستتجمد في ذات
الوقت مع الأرض.
لقد
فقدتم عقولكم ولم تسيروا في الطريق الصحيح. الكذب أخذكم من الحقيقة، والقبح من
الجمال، ستنذهلون إذا ما بدأت الضفادع والأفاعي تنمو في أشجار البرتقال والتفاح،
أو إذا ما بدأت الزهور تنفث رائحة خيول متعرقة.وبالطريقة نفسها سأكون مذهلاً أنا
معكم. أتمنى أن لا أفهمكم. ولإظهار احتقاري لأسلوب حياتكم، أتنازل عن المليونين
اللذين حلمت بهما يوما ما وكأنهما الفردوس، احتقرهما الآن. ولكي افقد الحق في
الحصول عليهما، سأغادر هذا المكان قبل خمس ساعات من الوقت الذي تم الاتفاق عليه.
وبهذه الطريقة سأخرق الاتفاق."
حين
أكمل الصيرفي قراءة الرسالة، قبلَ جبين الرجل السجين وأجهش في البكاء منطلقا خارج
الغرفة، وقد فقد رغبته تماما في المال وفي البورصات بالذات، وفهم إن مثل هذا
الاحتقار يجب بان يُوجه إليه شخصيا. حينها وصل بيته وتمدد في فراشه، لكن الأفكار
المتضاربة التي تجمّعت في رأسه، وكذلك الدموع في عينيه منعته من النوم.
في
الصباح جاء الحارس راكضا وقد غطى الشحوب وجهه تماما، وبدا يتحدّث ويصف كيف إنهم
شاهدوا السجين يزحف خارجا من خلال الكوة الصغيرة إلى الحديقة، ثم إلى الشارع وقد
اختفى تماما.
توجه
الصيرفي برفقة الخدم إلى الجناح، ولكي يقطع أي كلام في موضوع السجين تناول رسالة
التنازل وعاد إلى البيت ليودعها خزانته المقاومة للحريق.
"The Bet"
It was a dark autumn night. The old banker was walking up and
down
his study and remembering how, fifteen years before, he
had
given a party one autumn evening. There had been many
clever men
there, and there had been interesting conversations.
Among
other things they had talked of capital punishment. The
majority
of the guests, among whom were many journalists and
intellectual
men, disapproved of the death penalty. They
considered
that form of punishment out of date, immoral, and
unsuitable
for Christian States. In the opinion of some of them
the
death penalty ought to be replaced everywhere by
imprisonment
for life. "I don't agree with you," said their host the
banker.
"I have not tried either the death penalty or
imprisonment
for life, but if one may judge a
priori, the death
penalty
is more moral and more humane than imprisonment for
life.
Capital punishment kills a man at once, but lifelong
imprisonment
kills him slowly. Which executioner is the more
humane,
he who kills you in a few minutes or he who drags the
life
out of you in the course of many years?"
"Both
are equally immoral," observed one of the guests, "for
they
both have the same object - to take away life. The State is
not God.
It has not the right to take away what it cannot restore
when it
wants to."
Among
the guests was a young lawyer, a young man of five and-
twenty.
When he was asked his opinion, he said:
"The
death sentence and the life sentence are equally
immoral,
but if I had to choose between the death penalty and
imprisonment
for life, I would certainly choose the second. To
live
anyhow is better than not at all."
A
lively discussion arose. The banker, who was younger and
more
nervous in those days, was suddenly carried away by
excitement;
he struck the table with his fist and shouted at the
young
man:
"It's
not true! I'll bet you two million you wouldn't stay in
solitary
confinement for five years."
"If
you mean that in earnest," said the young man, "I'll take
the bet,
but I would stay not five but fifteen years."
"Fifteen?
Done!" cried the banker. "Gentlemen, I stake two
million!"
"Agreed!
You stake your millions and I stake my freedom!"
said
the young man.
And
this wild, senseless bet was carried out! The banker,
spoilt
and frivolous, with millions beyond his reckoning, was
delighted
at the bet. At supper he made fun of the young man,
and
said:
"Think
better of it, young man, while there is still time. To me
two
million is a trifle, but you are losing three or four of the best
years
of your life. I say three or four, because you won't stay
longer.
Don't forget either, you unhappy man, that voluntary
confinement
is a great deal harder to bear than compulsory. The
thought
that you have the right to step out in liberty at any
moment
will poison your whole existence in prison. I am sorry for
you."
And now
the banker, walking to and from, remembered all this,
and
asked himself: "What was the object of that bet? What is the
good of
that man's losing fifteen years of his life and my
throwing
away two million? Can it prove that the death penalty is
better
or worse than imprisonment for life? No, no. It was all
nonsensical
and meaningless. On my part it was the caprice of a
pampered
man, and on his part simple greed for money ..."
Then he
remembered what followed that evening. It was
decided
that the young man should spend the years of his
captivity
under the strictest supervision in one of the lodges in
the
banker's garden. It was agreed that for fifteen years he
should
not be free to cross the threshold of the lodge, to see
human
beings, to hear the human voice, or to receive letters and
newspapers.
He was allowed to have a musical instrument and
books,
and was allowed to write letters, to drink wine, and to
smoke.
By the terms of the agreement, the only relations he
could
have with the outer world were by a little window made
purposely
for that object. He might have anything he wanted -
books,
music, wine, and so on - in any quantity he desired by
writing
an order, but could only receive them through the
window.
The agreement provided for every detail and every trifle
that
would make his imprisonment strictly solitary, and bound
the
young man to stay there exactly fifteen years, beginning
from
twelve o'clock of November 14, 1870, and ending at twelve
o'clock
of November 14, 1885. The slightest attempt on his part
to
break the conditions, if only two minutes before the end,
released
the banker from the obligation to pay him the two
million.
For the
first year of his confinement, as far as one could
judge
from his brief notes, the prisoner suffered severely from
loneliness
and depression. The sounds of the piano could be
heard
continually day and night from his lodge. He refused wine
and
tobacco. Wine, he wrote, excites the desires, and desires are
the
worst foes of the prisoner; and besides, nothing could be
drearier
than drinking good wine and seeing no one. And
tobacco
spoilt the air of his room. In the first year the books he
sent
for were principally of a light character; novels with a
complicated
love plot, sensational and fantastic stories, and so
on.
In the
second year the piano was silent in the lodge, and the
prisoner
asked only for the classics. In the fifth-year music was
audible
again, and the prisoner asked for wine. Those who
watched
him through the window said that all that year he spent
doing
nothing but eating and drinking and lying on his bed,
frequently
yawning and angrily talking to himself. He did not read
books.
Sometimes at night he would sit down to write; he would
spend
hours writing, and in the morning tear up all that he had
written.
More than once he could be heard crying.
In the
second half of the sixth year the prisoner began
zealously
studying languages, philosophy, and history. He threw
himself
eagerly into these studies - so much so that the banker
had
enough to do to get him the books he ordered. In the course
of four
years some six hundred volumes were procured at his
request.
It was during this period that the banker received the
following
letter from his prisoner:
"My
dear Jailer, I write you these lines in six languages. Show
them to
people who know the languages. Let them read them. If
they
find not one mistake I implore you to fire a shot in the
garden.
That shot will show me that my efforts have not been
thrown
away. The geniuses of all ages and of all lands speak
different
languages, but the same flame burns in them all. Oh, if
you
only knew what unearthly happiness my soul feels now from
being
able to understand them!" The prisoner's desire was
fulfilled.
The banker ordered two shots to be fired in the garden.
Then
after the tenth year, the prisoner sat immovably at the
table
and read nothing but the Gospel. It seemed strange to the
banker
that a man who in four years had mastered six hundred
learned
volumes should waste nearly a year over one thin book
easy of
comprehension. Theology and histories of religion
followed
the Gospels.
In the
last two years of his confinement the prisoner read an
immense
quantity of books quite indiscriminately. At one time he
was
busy with the natural sciences, then he would ask for Byron
or
Shakespeare. There were notes in which he demanded at the
same
time books on chemistry, and a manual of medicine, and a
novel,
and some treatise on philosophy or theology. His reading
suggested
a man swimming in the sea among the wreckage of
his
ship, and trying to save his life by greedily clutching first at
one
spar and then at another.
The old
banker remembered all this, and thought:
"To-morrow
at twelve o'clock he will regain his freedom. By
our
agreement I ought to pay him two million. If I do pay him, it
is all
over with me: I shall be utterly ruined."
Fifteen
years before, his millions had been beyond his
reckoning;
now he was afraid to ask himself which were greater,
his
debts or his assets. Desperate gambling on the Stock
Exchange,
wild speculation and the excitability which he could
not get
over even in advancing years, had by degrees led to the
decline
of his fortune and the proud, fearless, self-confident
millionaire
had become a banker of middling rank, trembling at
every
rise and fall in his investments. "Cursed bet!" muttered the
old
man, clutching his head in despair "Why didn't the man die?
He is
only forty now. He will take my last penny from me, he will
marry, will
enjoy life, will gamble on the Exchange; while I shall
look at
him with envy like a beggar, and hear from him every day
the
same sentence: 'I am indebted to you for the happiness of
my
life, let me help you!' No, it is too much! The one means of
being
saved from bankruptcy and disgrace is the death of that
man!"
It
struck three o'clock, the banker listened; everyone was
asleep
in the house and nothing could be heard outside but the
rustling
of the chilled trees. Trying to make no noise, he took
from a fireproof
safe the key of the door which had not been
opened
for fifteen years, put on his overcoat, and went out of the
house.
It was
dark and cold in the garden. Rain was falling. A damp
cutting
wind was racing about the garden, howling and giving the
trees
no rest. The banker strained his eyes, but could see neither
the
earth nor the white statues, nor the lodge, nor the trees.
Going
to the spot where the lodge stood, he twice called the
watchman.
No answer followed. Evidently the watchman had
sought
shelter from the weather, and was now asleep
somewhere
either in the kitchen or in the greenhouse.
"If
I had the pluck to carry out my intention," thought the old
man,
"Suspicion would fall first upon the watchman."
He felt
in the darkness for the steps and the door, and went
into
the entry of the lodge. Then he groped his way into a little
passage
and lighted a match. There was not a soul there. There
was a
bedstead with no bedding on it, and in the corner there
was a
dark cast-iron stove. The seals on the door leading to the
prisoner's
rooms were intact.
When
the match went out the old man, trembling with
emotion,
peeped through the little window. A candle was burning
dimly
in the prisoner's room. He was sitting at the table. Nothing
could
be seen but his back, the hair on his head, and his hands.
Open
books were lying on the table, on the two easy-chairs, and
on the
carpet near the table.
Five
minutes passed and the prisoner did not once stir.
Fifteen
years' imprisonment had taught him to sit still. The
banker
tapped at the window with his finger, and the prisoner
made no
movement whatever in response. Then the banker
cautiously
broke the seals off the door and put the key in the
keyhole.
The rusty lock gave a grating sound and the door
creaked.
The banker expected to hear at once footsteps and a
cry of
astonishment, but three minutes passed and it was as
quiet
as ever in the room. He made up his mind to go in.
At the
table a man unlike ordinary people was sitting
motionless.
He was a skeleton with the skin drawn tight over his
bones,
with long curls like a woman's and a shaggy beard. His
face
was yellow with an earthy tint in it, his cheeks were hollow,
his
back long and narrow, and the hand on which his shaggy
head
was propped was so thin and delicate that it was dreadful to
look at
it. His hair was already streaked with silver, and seeing
his
emaciated, aged-looking face, no one would have believed
that he
was only forty. He was asleep ... In front of his bowed
head
there lay on the table a sheet of paper on which there was
something
written in fine handwriting.
"Poor
creature!" thought the banker, "he is asleep and most
likely
dreaming of the millions. And I have only to take this halfdead
man,
throw him on the bed, stifle him a little with the
pillow,
and the most conscientious expert would find no sign of a
violent
death. But let us first read what he has written here ... "
The
banker took the page from the table and read as follows:
"To-morrow
at twelve o'clock I regain my freedom and the
right
to associate with other men, but before I leave this room
and see
the sunshine, I think it necessary to say a few words to
you.
With a clear conscience I tell you, as before God, who
beholds
me, that I despise freedom and life and health, and all
that in
your books is called the good things of the world.
"For
fifteen years I have been intently studying earthly life. It
is true
I have not seen the earth nor men, but in your books I
have
drunk fragrant wine, I have sung songs, I have hunted
stags
and wild boars in the forests, have loved women ...
Beauties
as ethereal as clouds, created by the magic of your
poets
and geniuses, have visited me at night, and have
whispered
in my ears wonderful tales that have set my brain in a
whirl.
In your books I have climbed to the peaks of Elburz and
Mont
Blanc, and from there I have seen the sun rise and have
watched
it at evening flood the sky, the ocean, and the
mountain-tops
with gold and crimson. I have watched from there
the
lightning flashing over my head and cleaving the storm clouds.
I have
seen green forests, fields, rivers, lakes, towns. I
have
heard the singing of the sirens, and the strains of the
shepherds'
pipes; I have touched the wings of comely devils who
flew
down to converse with me of God ... In your books I have
flung
myself into the bottomless pit, performed miracles, slain,
burned
towns, preached new religions, conquered whole
kingdoms
...
"Your
books have given me wisdom. All that the unarresting
thought
of man has created in the ages is compressed into a
small
compass in my brain. I know that I am wiser than all of
you.
"And
I despise your books, I despise wisdom and the
blessings
of this world. It is all worthless, fleeting, illusory, and
deceptive,
like a mirage. You may be proud, wise, and fine, but
death
will wipe you off the face of the earth as though you were
no more
than mice burrowing under the floor, and your posterity,
your
history, your immortal geniuses will burn or freeze together
with
the earthly globe.
"You
have lost your reason and taken the wrong path. You
have
taken lies for truth, and hideousness for beauty. You would
marvel
if, owing to strange events of some sorts, frogs and
lizards
suddenly grew on apple and orange trees instead of fruit,
or if
roses began to smell like a sweating horse; so, I marvel at
you who
exchange heaven for earth. I don't want to understand
you.
"To
prove to you in action how I despise all that you live by, I
renounce
the two million of which I once dreamed as of paradise
and
which now I despise. To deprive myself of the right to the
money I
shall go out from here five hours before the time fixed,
and so,
break the compact ..."
When
the banker had read this, he laid the page on the table,
kissed
the strange man on the head, and went out of the lodge,
weeping.
At no other time, even when he had lost heavily on the
Stock
Exchange, had he felt so great a contempt for himself.
When he
got home, he lay on his bed, but his tears and emotion
kept
him for hours from sleeping.
Next
morning the watchmen ran in with pale faces, and told
him
they had seen the man who lived in the lodge climb out of
the
window into the garden, go to the gate, and disappear. The
banker
went at once with the servants to the lodge and made
sure,
of the flight of his prisoner. To avoid arousing unnecessary
talk,
he took from the table the writing in which the millions were
renounced, and when he got home locked it up in
the fireproof safe.