أقمار صينية في الفضاء الكوني
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
أقمار صينية في الفضاء الكوني
بقلم/ الأستاذة منال علي*
*التعريف بالكاتبة: صحفية إذاعية بالبرنامج الأوروبي في الإذاعة المصرية، و مختصة بشؤون دول البحر الأبيض المتوسط و بلدان أسيا، وصديقة لصيقة بالإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
بخطوات تاريخية تؤكد مكانتها كقوة عالمية، الصين تُشغل العالم بنقاشات من نوع جديد، باطلاقها قمرًا صناعيًا تجريبيًا لمراقبة بيئة الفضاء.
بعد سلسلة من الخطوات التاريخية التي أكدت على مكانتها كقوة عالمية كبرى ونافذة في نادي رحلات الفضاء المأهولة، الصين تسير قدما نحو تحقيق التفوق فيما يخص برنامجها الفضائي، بما يثبت بما لا يدع مجالا للشك رفعة مكانتها العلمية والتكنولوجية و قدراتها العالية كلاعب دولي ومنافس عنيد وكبير لا يشق له غبار.
في إثبات سيادتها و مكانتها العلمية و التكنولوجية و خاصة في مجال الفضاء، يرى أكثر المتابعون أن انجاز الصين العظيم متمثلا في اطلاق قمر صناعي تجريبي يستخدم بشكل رئيسي في اختبارات مدارية لمراقبة بيئة الفضاء و الذي أطلق من موقع وتشانغ الفضائي في مقاطعة هاينان جنوبي الصين، كأخر خطوة بعد سلسلة من الأقمار الصناعية و المركبات الخاصة باكتشاف القمر و المريخ، أمر له نتائج و أبعاد عسكرية كبيرة، و يشكل خطوة إضافية في الاستراتيجية الشاملة التي تتبعها الصين من أجل امتلاك وسائل تكنولوجية في الفضاء، كوسيلة تتساوى فيها مع قوى الولايات المتحدة في قارة آسيا.
لا شك أن منح التفوق في مجال الاتصالات و الاستخبارات و المراقبة يعتمد على قدرة الدول فيما تملكه في الفضاء، و هذا ما قد يدفع أهل التخطيط الاستراتيجي إلى التفكير بأن القوة تكمن في إدراك حجم المنافس، و المنافسة معا، اثناء رحلة السعي لتحقيق التقدم المنشود، و من ثم قررت الصين بخطوات حثيثة، لكنها واثقة أن تشق طريقها في عالم الفضاء الفسيح كواحدة من أعتى المنافسين على توسيع و اثبات الوجود في الفضاء الكوني.
العزيمة و الإرادة و الصمود بداية الحلم الصيني في عالم الفضاء.
بدأت الصين برنامجها الفضائي بعدما اتخذ الرئيس ماو تسي تونغ قراره ببدء البرنامج النووي الصيني، و عندما أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي (سبوتنيك) إلى المدار عام 1957، جاء رد الرئيس ماو بإعلان حاجة الصين الى انشاء برنامجها الفضائي الخاص أيضا، و كانت الخطوة الأولى في هذا البرنامج هي إطلاق قمر صناعي سنة 1959 و الذي جاء تزامنا مع الذكرى العاشرة للثورة الاشتراكية عام 1949، و بعد مرور سنوات من الدراسة و التأهيل و التجارب و تحديدا في عام 1967، دفعت الصين بخطى أكبر لتطوير برنامج فضاء مأهول.
و منذ ذلك الوقت أو قبله بقليل تواصل الصين باستقلالية عمليات تطوير الأسلحة النووية و تكنولوجيا مركبات الفضاء، حيث كانت قد سبقتها كل من الولايات المتحدة، و ايضا الاتحاد السوفييتي الذي سعى لتطوير برنامجه الفضائي الخاص بالقمر بعيدا عن الولايات المتحدة. و منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي و حتى بداية القرن الحادي و العشرين تطور برنامج الفضاء الصيني بالتدريج في خبرات التكنولوجيا، و تمكنت الصين بشهادة منافسيها من فرض نفسها بوصفها قوى كبرى في مجال الفضاء، حيث حققت الصين عام 1958 مهمتين كانتا سببا في وضع الصين على طريق إطلاق صاروخ إلى الفضاء، أولها إنشاء أول موقع إطلاق للأقمار الصناعية بالقرب من مدينة جيوتشوان في منغوليا، و ثانيهما كانت نجاح الصين في بناء مركبة الاطلاق دونج فينج _1 ( CDF_1 و CDF _2 ) بالتتابع، لتتخذ الصين في عام 1964 أول خطوة رسمية لها في الفضاء، و تمثلت في اطلاق الصين 8 فئران إلى الفضاء، و استعادتها بنجاح من مواقع إطلاق صاروخ جانج ( Base 603 )، باستخدام صاروخ T.7: S1 . ليصدر الرئيس ماو بعدها أمرا باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإطلاق رائد فضاء صيني إلى الفضاء.
و بالفعل نجح علماء الفضاء الصينيون في تطوير أول مركبات إطلاق ثقيلة في البلاد على مرحلتين، الأولى عام 1969، و الثانية عام 1970، لتعتمد الصين أول برنامج فضاء مأهول / Project 714عام 1971، الذي كان هدفه ارسال رواد فضاء باستخدام مركبة الفضاء شوجوانج، و تنجح في ذلك عام 1973 و يلي ذلك نجاح فيما يخص الأقمار الصناعية حيث سمح تطوير CZ1 بالإطلاق الناجح لأول قمر صناعي للاتصالات في الصين (دونج فاتح هونج _1)، و يليه في نوفمبر 1975 إطلاق أول قمر صناعي صيني قابل الاسترداد (فانهوي شي)، الذي عاد للأرض بعد انطلاقه ب 3 ايام و الذي كان الغرض منه اختبار الأنظمة الرئيسية التي ستؤدي دورا في المهام الفضائية في المستقبل، و لأن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن، شهد الأمر بعد ذلك تباطؤ قليل بعد وفاة الزعيم ماو تسي تونغ.
إلا أن الثبات على المبدأ في التطوير و التقدم دفع باستمرار المضي قدما، و عاد الأمر للازدهار سريعا مرة أخرى بحلول الثمانينيات ،فأحرزت الصين تقدما إضافيا في تطوير صواريخ لونج مارش 2,3 الذي سمح بإنشاء برنامج إطلاق تجاري سنة 1985، الأمر الذي أعطى الصين الفرصة و القدرة على إرسال أقمار صناعية إلى الفضاء لمصالح أوروبية و آسيوية، و كذلك تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات كاملة المدى.
- و من الجدير بالذكر أنه تم إنشاء مركزي بكين للتحكم في الطيران الفضائي و شيان للقياس و التحكم عبر الأقمار الصناعية و سفن فضائية و محطات مراقبة أرضية، و بذلك تكون الصين في الخمسين سنة الماضية؛ و نظرا لجهودها؛ قد استطاعت أن تلحق بالولايات المتحدة الأمريكية و روسيا في تكنولوجيا الصواريخ، برغم تأخرها عنهما بنحو خمس عشرة سنة، الأمر الذي يفسر مدى الجهد العظيم الذي أعقب تصريح الزعيم ماو بصوته المليء بالحماس و المفعم بالأمل و التفاؤل و التحدي و هو ينادي أصحاب العلم و الهمم و التخصص: “سنصنع القمر الصناعي الصيني”، ليعقبه سلسلة لانهائية من الإنجازات في مجال التطوير الصاروخي لغزو الفضاء من أجل الوصول لأفضل خدمة مجتمعية و تحقيق النمو و التقدم في كافة المجالات السلمية لتطوير الصناعة و الزراعة و التكنولوجيا و الطب و غيرها من المجالات التي توفر للإنسانية سبل العيش بسلام و عدالة، و ما يثير دهشة البعض أن ما حققته الصين في قفزة واحدة، على الرغم أنها بدأت متأخرة نسبيا في هذا المجال، يُعد طفرة في علوم الفضاء، حيث استطاعت تقليص الفارق الزمني بتقدم ملحوظ جعلها تتفوق على من سبقوها في ذلك المجال بخطوة واحدة، الأمر الذي يجعل منافستها التقليدية الولايات المتحدة تشعر بتفوق الصين في مجال الطيران الفضائي، و ليعقبه سلسلة من التصريحات التي تكشف تخوف الولايات المتحدة من ذلك التفوق الصيني الملحوظ في تلكم المجال.
- و يأتي التطوير الاخير ل “لونغ مارتش 7 ايه” للتدليل على رفعة مستوى الصين في تكنولوجيا الفضاء حيث طور العلماء الصينيون تقنيات ذكية لتزويد صاروخ الاطلاق للقمر الصناعي الاخير بتحكم افضل في الرياح القوية الموجودة على ارتفاعات عالية، مما يزيد من قدرته على التمكين الأمثل من إيجاد المسار الصحيح للرحلة بعد الاقلاع بوزن بلغ 573 طنا.
- ولا شك أن ذلك الأمر يُعدُ مبعثًا للقلق من قبل البعض، ولكنه يبقى غيث من فيض الطموح الصيني في ذلك المجال، ومع الصين والفضاء الخارجي يبقى دائمًا للحديث بقية.