“المراقب العراقي”: أذربيجان بعد معارك التحرير.. بدأت معركة البناء
باكو، 12 مارس (أذرتاج)/
كتب الصحفي العراقي المخضرم الأستاذ الدكتور معتز محي عبد الحميد مقالا تحت عنوان “اذربيجان بعد معارك التحرير..بدأت معركة البناء” لصحيفة “المراقب العراقي” الشهير. تعيد وكالة اذرتاج نشر المقال:
الشعب الأذربيجاني، يعيش هذه الأيام على وقع لحظات تاريخية بعد إعلان الرئيس إلهام علييف تحرير مدينة شوشة، عاصمة الثقافة الأذربيجانية في جنوب القوقاز من الاحتلال الأرميني.
وأعلن علييف، من أمام نصب الشهداء في العاصمة الأذربيجانية – باكو – ، تحرير مدينة شوشة التي تعتبر مهدًا للحضارة والثقافة الأذربيجانية ورمزًا لإقليم قره باغ بسبب ثرائها التاريخي والثقافي وجمالها الطبيعي.
وتزامنت مظاهر الفرح في مناطق مختلفة من أذربيجان، بمناسبة تحرير شوشة التي توصف بأنها أكثر من مجرد مدينة بالنسبة للشعب الأذربيجاني، لقد تمكنت أذربيجان بالفعل من تحرير مدينة شوشة، أهم حواضر جنوب القوقاز وأقدمها، بعد احتلال أرميني استمر نحو 28 عامًا، فيما أعلن علييف أن هذا اليوم (8 تشرين الثاني 2020) سيحفر كـ “يوم للانتصار التاريخي” في الذاكرة الأذربيجانية.
وشدد علييف في خطاب موجه للشعب على أن الانتصار الذي حققته أذربيجان في شوشة لم يتحقق خلف طاولات المفاوضات، بل في ساحات المعركة، لأن السنوات الثلاثين التي قضتها بلاده في المفاوضات من أجل استعادة أراضيها المحتلة كانت “بلا معنى” ولم تصل من خلالها إلى أي نتيجة.
مدينة شوشة واهميتها التاريخية
بنيت شوشة عام 1752 على يد “بيناهالي خان” بقره باغ، وهي مدينة مهمة ليس بالنسبة لسكان شوشة فقط؛ ولكن لجميع الأذربيجانيين، وذلك لأنها تضم العديد من الآثار التاريخية، ولولادة العديد من العلماء والشخصيات الثقافية المتميزة على أراضيها.
توصف مدينة شوشة بـ “مهد الموسيقى الأذربيجانية” لشهرة ملحنيها ووسيقيها، وتعد رمزا لإقليم قره باغ بسبب ثرائها التاريخي والثقافي وجمالها الطبيعي.
كانت شوشة أحد الأهداف الرئيسية للأرمن الذين شنوا هجماتهم من أجل تحقيق مطالبهم الإقليمية ضد أذربيجان، وذلك بعد تخطيط دام سنوات أثناء تفكك الاتحاد السوفيتي.
في البداية احتل الأرمن مدينة خانكندي في الهجمات التي بدأوها عام 1991، ثم سقطت مدينة خوجالي بأيديهم 26 شباط 1992، حيث ارتكبت واحدة من أكبر المجازر في القرن العشرين، بقتل 613 مدنيا بينهم أطفال ونساء، ثم احتلوا شوشة في 8 أيار 1992.
لقد دأبت الحكومات الأرمينية المختلفة، خلال السنوات الثلاثين الماضية، على إبقاء قضية احتلال إقليم قره باغ والأراضي الأذربيجانية المحتلة، أزمة مجمّدة، لكسب الوقت وتعزيز الوضع الراهن وضمان استمراره لتسقط القضية بالتقادم.
إن المراقب للتاريخ السياسي الأذربيجاني، يدرك حقيقة الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها أذربيجان ولسنوات، من أجل التنازل عن حقوقها المشروعة والتصالح مع الوضع وتقبل الاحتلال، إلا أن القيادة السياسية في أذربيجان رفضت التوقيع على أي اتفاق لا يلبي مصالح الشعب الأذربيجاني.
خلال سنوات الاحتلال، عمد الجانب الأرميني على محو الآثار التاريخية الأذربيجانية في المنطقة من مساجد ومدارس وأضرحة تاريخية، وتدمير مدن أذربيجانية بأكملها وعلى رأسها “فضولي” و”كلبجار” و”جبرائيل” و”زنكيلان” و”لاجين” و”قوبادلي”، واستغلال الثروات الباطنية لتلك المناطق وتحويل “قره باغ” والأراضي المحتلة إلى مركز لإنتاج وتصدير المخدرات وتطبيق سياسات الاستيطان غير القانوني.
إن هذه الإجراءات التي اتخذتها القيادة الأرمينية ضد الوجود الأذربيجاني في الأراضي المحتلة، دفعت علييف للتأكيد مرارًا وتكرارًا على عزم بلاده على إعادة بناء أوابدها الثقافية وآثارها التاريخية والمساجد التي دمرتها أرمينيا في المنطقة.
ارمنينا والقرارات الدولية
ضربت ارمنينا عرض الحائط بجميع القرارات الدولية، من خلال الاستقواء بأطراف دولية، وراهنت على كسب الوقت من أجل تعزيز الوضع القائم، إلا أن هذا الوقت لم يلعب لصالحها، بل أدى إلى عزلها عن المشاريع الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى التي تحققت من قبل جيرانها الأتراك (تركيا وأذربيجان) والتي أعادت صياغة خريطة الطاقة والنقل في المنطقة.
سعت ارمنينا إلى توجيه ضربة لتلك المشاريع، لاسيما من خلال الهجمات العسكرية التي شنتها في الفترة ما بين 12 – 16 تموز الماضي على منطقة “توفوز” التي تشكل أهم معبر لنقل النفط الأذربيجاني والتركمانستاني إلى تركيا ثم أوروبا عبر جورجيا. أعقب ذلك تهديدات بقصف مدينة “كنجه”، ثاني أكبر مدن أذربيجان، وإرسال مجموعات للقيام بأعمال تخريبية داخل الأراضي الأذربيجانية، واستفزاز الجانب الأذربيجاني من خلال توطين مواطنين سوريين ولبنانيين من أصول أرمنية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة.
وبعد الخروقات الأرمينية واسعة النطاق التي امتدت على كامل خط وقف إطلاق النار، تمكنت أذربيجان ومنذ 27 أيلول الماضي، من تحرير أكثر من 200 مدينة وقرية وبلدة، و4 مدن سبق ودمرتها أرمينيا خلال سنوات الاحتلال (فضولي، وجبرائيل، وزنكيلان، وقوبادلي)، قبل أن يعلن الرئيس الأذربيجاني اليوم انضمام شوشة إلى قائمة المدن المحررة.
الانتصار على الأرض وتعمير المدن
وهنا لا بد من القول إن الانتصارات الميدانية التي حققتها أذربيجان من أجل استعادة أراضيها المحتلة وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، جاءت كثمرة من ثمار الاعتماد على الذات وبذل الجهود المضنية التي استمرت لنحو عقدين من الزمن وفي عدة ميادين أبرزها الاقتصاد والدبلوماسية وبناء القوات المسلحة. وفي هذه المرحلة المهمة بدأت معركة البناء والتعمير لكافة المدن المحررة وقد دعا الرئيس الهام علييف جميع الدول للاستثمار في المناطق المحررة ،وقال في هذا الصدد ( لقد انتهى الصراع في قارباغ الجبلية .. انه بالفعل جزء من التاريخ..
ان نركز على إعادة الاعمار وإعادة تأهيل المناطق ، كل شيء دمر .. لا يوجد مبنى صالح واحد للسكن ، الاثار التاريخية دمرت .. هناك حاجة الى اعمال كثيرة للقيام بإعادة الاعمار والبناء، لدينا إرادة وإمكانات كبيرة للقيام بذلك) خلاصة القول، إن التجربة الأذربيجانية التي رأينا نتائجها اليوم وخلال الأشهر الماضية، أظهرت لكل ذي لب أن نيل المطالب لا يكون بالتمني لأن الدُنيا تؤخذ غِلابا، وأن التسابق في إظهار الطاعة للقوى الدولية (شرقية وغربية) مقابل التنمر على الشعوب، وإطلاق العنان للشعارات الرنانة بتحرير الأرض والعرض بعد إتمام تهجير الشعب لبناء “مجتمعات متجانسة”، لن يحمي عروشًا ولن يبني أوطانا.”