" العطوانين" .. نمط جديد من الهوية الجندرية
إخلاص الأميري
باقر نوري (22) سنة شاب في بداية حياته يبحث عن البهجة والحب في شوارع مدينته, محب للألوان والجمال الذي يشبه جمال روحه , تشده الأزياء ذات الالوان الصارخة وتثير إعجابه التفاصيل الغير مألوفة , صنع ستايل ملابس خاص به على مدى سنين لكن لم يعلم يوما ما سيصبح لعنة له , نعم لعنة بسبب عادات وتقاليد ومجتمع ينتمي له( باقر) اضطره ان يتخلى عن الالوان الصارخة التي تثير اعجابه وتنازل عن قصات الشعر الغربية المحب لها لكي يبعد عن التنمر على مايطلق عنهم ب (العطوانيين) .
تركت الحروب والازمات التي عاشها الشعب العراقي الكثير من المخلفات التي اصبحت فيما بعد واقعا مفروض على الجميع ,واحدة من هذه المخلفات هي فئة من الشباب اختاروا التمرد على الواقع من خلال اختيار طريقة ارتدائهم لازياء غريبة بالوان صارخة مع استخدام مساحيق التجميل بصورة واضحة ليعرفوا بين المجتمع بتسمية " العطوانين" .
"زهير العطواني" الشخصية المركزية في انتشار ظاهرة العطوانيين بصورة واسعة في مدينة الصدر تحديدا , كسب شعبية كبيرة في المجتمع الفيسبوكي من خلال نشره لمقاطع الاعراس التي يقوم بتصويرها مركزا على اجسادهم وطريقة تصفيف شعرهم ومساحيق التجميل , الذين اصبح ظهورهم مرتبط بنشيد العطوانين "صورني يا عطواني ".
حفلات الزفاف هذه تعكس صراع الهويات بين جيلين مختلفين في الثقافة والقيم , بين جيل عاش في ظل نظام دكتاتوري متسلط يعيشون وفق نظام صارم وحاسم , وبين جيل الانترنيت والفيس بوك او مايسمى بجيل "الطشه" الذي لايعرف قانون يردعه او يمنعه وتمرد على العادات والتقاليد باسم (الحرية الشخصية ).
العطوانيين يمثلون 40% فقط من مدينة الصدر !
"سجاد ستار" شاب يقطن "مدينة الصدر " , اكد ان هذه الفئة لاتمثل سوى 40% من مدينة الصدر التي هي تعتبر مدينة كاملة ويتجاوز عدد سكانها 4 مليون نسمة , مشيرا الى ان هذه الفئة هي مجموعة من الشباب لاتزيد اعمارهم عن 23 عام من اصحاب الدخل اليومي البسيط الذين ارادو ابراز انفسهم من خلال طريقة ازياء وحركات رقص خاصة بهم .
ويضيف ان "العطواني " عرف كيف يستخدمهم لتحقيق مشاهدات كبيرة على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال اختياره لقطات معينة لحركات رقصهم او ابراز مساحيق التجميل على وجوههم التي تجبر المشاهد على فتح الفيديو والتعليق عليه سلبا اكثر من ان يكون ايجابيا .
حديث "ستار" يبين ان هذه الفئة تتمثل بشباب مراهق غير واعي يريد ابراز نفسه بأي شكل من الاشكال , عمل على تشويه صورة مدينة كاملة مثل مدينة الصدر التي اخرجت الكثير من الشعراء والفنانيين , اصبح عند ذكر مدينة الصدر في أي مكان تتمثل ب "عطواني" , "شعر اصفر" , والكثير من المصطلحات التي تثير السخرية .
تمرد على الواقع وطريقة لابراز انفسهم بين المجتمع
الصحفي العراقي "ايوب الحسن " يرى ان هذه الفئة تتعرض الى التهميش والانتقاد بصورة جارحة دون معرفة الاسباب الحقيقة التي يتعرضون لها مايطلق عليهم ب "العطوانيين" او "الالمانيين" والتسميات الاخرى التي تجعلهم يريدون ابراز انفسهم بسبب نظرة المجتمع الدنيئة اتجاهم .
اشار "الحسن" هناك عدة عوامل خلف هذا الامر منها العامل الاقتصادي الذي يلعب دورا كبيرا خصوصا انهم من اماكن فقيرة بسيطة قد يفرض عليهم العوز المادي ارتداء مايطلق عليها ب (الباله) التي تعمل على سد احتياجاتهم دون التفكير بالموديل او الالوان , كذلك هناك الجانب العلمي الكثير منهم يفتقرون الى التعليم حيث كثير منهم منعته ظروفه من اكمال تعليمه اقتصر الامر على تقليد وتعلم سلوكات الاخرين من المجتمع المتعايش معهم .
مركزا ان هذه الفئة تعاني من قلة اهتمام الاهل من متابعة ومراقبة سلوكياتهم بسبب كثرة الانجاب الذي يضعف من قدرة الاهل على توزيع الاهتمام ومراقبة سلوكيات الابناء وتجعلهم هم من يختارون السلوك والطريق الذي يريدون ان يستمروا فيه دون معرفة سلبياته فيما بعد .
"العطوانيين" هل هم ضحية ام شركاء في المشكلة وتأزمها ؟
بدوره اضاف الاعلامي "حيدر ماضي" تساؤل هل مايطلق عنهم ب (العطوانيين) هم ضحية ام شركاء في المشكلة وتازمها ؟
فيما يتعلق بالاضطهاد بالمفهوم العام هو كل معاملة قهرية تعسفية مقصودة تجاه شخص او مجموعة اشخاص وهذا يرتبط بطبيعة المجتمع ويختلف من مجتمع لاخر .
مشيرا الى ان التطور ومحاولة مواكبة الموضة في المجتمع الشرقي , غالبا ماتكون سلبية وعلى العكس تماما عن مانجده في المجتمعات الغربي , الانسان السليم الذي يتقبل بكامل ارادته الوضع الذي يظهر به والتصرفات التي تخرج عن الذوق العام هو ليش بضحية وعلية ان يتقبل ردود المجتمع الذي يعيش به كونه مجتمع تحكمه العادات قبل كل شي .
يتلبّسون المثليّة
ولكن هل هم مثليون جنسيا ؟ الباحث النفسي "محمد راضي" يحاول الاجابة على هذا السؤال بالقول "المثلية موجودة ومنتشرة بالعراق , لكنها مستترة نتيجة العادات والتقاليد السائدة في المجتمع , التي قد تؤدي لقتل المثليين احيانا ".
ويستدرك "راضي" بالقول "اما فيما يخص من يظهرون بمقاطع "العطواني" فهم ليسوا بمثليين , فكثير منهم يمارس حياته بشكل اعتيادي, ويتزوج النساء وينجب الاطفال , لكن الاشكال التي يظهرون بها تتلبس المثلية شكليا , اما في الحقيقة فهم على الاقل اغلبهم ليسوا كذلك ,فانا شخصيا اعرف كثيرا من الشباب الذين يحبون الظهور بهذا المظهر ,دون ان يكون لهم أي ميول مثلية ".
هنالك الكثير من "باقر" الذي فرض عليه المجتمع والتقاليد حتى طريقة اختياره ملابسه والوانها لكي يبعد عن التنمر ولايطلق عليه "مثلي " .
وهكذا يبدو "العطوانيين" مبتكرين لنمط جديد من الهوية الجندرية , فبغض النظر عن ميلهم الجنسي , نرى في اعراس "العطواني" شكلا واداء مغايرا للذكورة العراقية , لايشبه مانراه لدى رجال العشائر او حتى الشكل السائد بين ماتبقى من ذكور الفئة الوسطى المتعلمة في العراق .