• اخر الاخبار

    العراق :مسببات تجبر المرأة في الريف على العزوف عن الانتخابات.




    تقرير : رسل الكعبي 

    اعتدنا على رؤية النساء في الريف بصورة كادحات عانين من الإهمال الحكومي ومن هيمنة المجتمع الذكوري، حتى أن الكثير من المرشحين يتعاطون مع المرأة العراقية على أنها تابعة وغير متحكمة بمصيرها وقراراتها.

    ويفتقر الكثير من نساء الأرياف إلى برامج سياسية توعوية، وهو ما يضعف من قدرتهن على اتخاذ خيارات مستقلة خلال الانتخابات، ويجعلهن فريسة سهلة لعروض السياسيين الراغبين بالاستحواذ على المناصب، وما مر عليهن من تجارب خلال الدورات السابقة، حال دون مشاركة الكثيرات منهن في انتخابات ٢٠٢١.

    تتحدث أم زهراء عن المرشحين في قضاء الدغارة التابع لمحافظة الديوانية، قائلة إنهم لا يعتمدون على برامج انتخابية حقيقية، بل على إغراق الأهالي بالوعود، بما فيها التعيينات الحكومية والقروض الزراعية والعطايا التي تقع خارج صلاحيات البرلماني من حيث المبدأ.

    وتضيف أم زهراء قائلة إن غالبية المرشحين يستغلون تدني الأوضاع المعيشية التي تمر بها العوائل الفقيرة، حيث يشرعون بتوزيع المواد الغذائية والملابس قبيل الانتخابات. وقد وجد الكثير من أبناء هذه العائلات أنفسهم، خصوصًا النساء منهن، أسرى لوعود يأملن تحققها. وليست هذه الأساليب وليدة اليوم، إنما هي متوارثة منذ سنين، لكن الفارق اليوم أن بعض النساء اتخذن قرار العزوف عن الانتخاب لأنهن لم يجدن من يستحق أن يمثلهن ويدافع عن حقوقهن المسلوبة تحت قبة البرلمان.

    قلّة عدد مكاتب الاقتراع، وتوزيعها غير المتكافئ، حدّا من مشاركة الكثير من المواطنين في العملية الانتخابية، خصوصًا النساء اللواتي لا يستطعن قطع مسافات كبيرة من أجل الإدلاء بأصواتهن. فالكثير من أبناء العائلات الريفية الفقراء لا يملكون سيارات تسمح لهم بالتنقل إلى المناطق التي تتواجد فيها مراكز الاقتراع. أما إذا أراد الناخب السير على الأقدام، فقد يحتاج الى ساعتين في بعض الأحيان لقطع مسافة قد تصل إلى 4 أو 5 كيلومترات، وهي مسافة لا ترى الكثير من العائلات الريفية حاجة إلى قطعها للمشاركة في انتخابات لا تغني ولا تسمن.

    ويشرح الناشط والإعلامي حسين الفايز قائلاً إن الكثير من قرى الرضوانية الغربية التابعة لقضاء أبو غريب عانت من بُعد مراكز الاقتراع، وهو ما يفسر عدم تسجيل مشاركة كبيرة من أهاليها. ويضيف قائلًا إن غالبية المتضررين هن من الأرامل اللواتي ليس لديهن من يرافقهن، علمًا بأن النساء في هذه المناطق لا يخرجن من دون مرافقة الرجال (المحرم). كذلك حال النساء المتزوجات حديثاً، اللواتي لم يتم نقل سجلاتهن. أما من كانت مصرة منهن على المشاركة في الانتخابات، فاضطرت لقطع مسافات قد تصل إلى عشرات الكيلومترات للإدلاء بصوتها.

    تتأثر المجتمعات الريفية المغلقة بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية، التي تشجع على الهيمنة الذكورية وعلى سلب النساء حقوقهن المشروعة، كحرية الرأي والاختيار، حتى بدت الكثيرات منهن كالأدوات التي تنحصر مهماتها بالزراعة والحصاد.

    إعادة إنتاج الهيمنة الذكورية

    عند بزوغ الشمس، وقبل صياح الديك، تستيقظ أم علي لتقوم بما اعتادت علية منذ عشرين عاماً؛ تحضير الإفطار لزوجها قبل خروجه إلى العمل. بعدها تذهب لترعى ما تملكه من أغنام. بالنسبة لها، لم يكن العاشر من تشرين يومًا  مميزًا، بل كان كسائر الأيام التي تكثر فيها الواجبات التي يُتوفع منها إتمامها من دون استفسار، بما في ذلك الالتزام بانتخاب من وقع عليه خيار زوجها. 

    تقول ام علي: "أمرني زوجي بأن أجهز نفسي. سنذهب للمشاركة في الانتخابات، قال لي. لم أكن أعلم عن الانتخابات شيئاً سوى ما يذاع في نشرات الأخبار ويتداوله الناس. تساءلت بيني وبين نفسي: من سانتخب وماذا سيقدم؟ ثم جاء الرد سريعاً: ورقة من زوجي مكتوب عليها رقم المرشح الذي يتوجب علي انتخابه واسمه. ذهبت إلى المركز المخصص لنا، وقبل دخولي القاعة التي سأدلي فيها بصوتي، جاء رجل من بعيد ولوح بيده لزوجي قائلاً له، "ها أبو علي، هاي هيه مثل ما اتفقنا"، أجابه زوجي بابتسامة وهزة رأس، وطلب مني إسقاط الورقة التي أعطاها لي قبل الوصول إلى المركز.

    هكذا تُعامل بعض النساء في المناطق الريفية. لا يحق لهن الاعتراض أو الرفض، وما عليهن سوى  الانصياع إلى أوامر الرجال، بمعزل عن صوابيتها.

    توضح الدكتورة أسماء جميل أن قرار المرأة بالتصويت من عدمه واختيارها القائمة أو المرشح لا يعبّران بالضرورة عن إرادتها الحرة بقدر ما قد يعبّران عن تماهيها وخضوعها لقيم الذكور في العائلة وتوجهاتهم الأيديولوجية.

    وتضيف جميل: "غالباً ما تتبنى النساء اتجاهاً معادياً لانتخاب المرأة ومتحيزاً للرجل بسبب تمثلهن القيم الذكورية التي تقسم الفضاءات بين النساء والرجال وتجعل السياسة والشأن العام حكراً على الرجل، فيما المرأة مكانها "المنزل".

    وتبين جميل أن "نتائج الانتخابات السابقة وفوز القوى المحافظة، سواء كانت دينية أو قبلية، تظهر أن النساء بوصفهن كتلة تصويتية كبيرة قد تم توجيههن وتحريكهن لانتخاب قوائم يتناقض مشروعها السياسي مع مصالح المرأة وحقوقها، وهو ما يجعل المرأة منخرطة ومتورطة في إعادة إنتاج الهيمنة الذكورية".

    ختاماً، يمكن القول إن المرأة العراقية، خصوصًا الريفية منها، هي أحوج ما تكون إلى جهود توعوية تتيح لها التفلت من هيمنة العقل الذكوري الذي يحرمها من أبسط حقوقها، بما في ذلك الحق باختيار ممثليها في البرلمان



    ad728