• اخر الاخبار

    قراءة في الملف السوري

    الكاتب والصحفي السوري
    سامر كامل فاضل

    ليست الحروب والملفات  المتداخلة في منطقة الشرق الأوسط إلّا جزءاً من الخطط الاستراتيجية للغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والتي تبني خططها لعشرات السنين، ودائماً تكون البوصلة في هذه الخطط هي حماية أمن الكيان الصهيوني ومحاولة تفكيك أي منظومة حوله من شأنها تهديد وجود هذا الكيان.
    إلّا أن الملف السوري بقي أعقد هذه الملفات والأكثر تشعُّباً، والحرب السورية لا شكَّ أنها كانت أمّ الحروب، فقد اجتمعت ثمانون دولة في هذه الحرب على سوريا لتمزيقها وأرسلوا أكثر من  200 ألف مرتزقة إرهابي من هذه الدول وتم إدخالهم من دول الجوار، وسُخِّرتْ لهذه الحرب قنوات إعلاميّة ضخمة بدءاً من دول الخليج التي لعبت الدور الأكبر إعلاميّاً في التصعيد عبر الفتاوى المأجورة لجهة إشعال الفتنة الطائفية والتحريض الموجّه ضد الدولة السورية بهدف إسقاطها لتحييدها أو فصلها عن محور المقاومة.
    وليس بعيداً عن ذلك مشروع عودة العثمانية الجديدة في تركيا بزعامة أردوغان المتعطّش لحلم إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية والتي وجدت فرصتها في إحياء هذا المشروع عبر البوابة السورية بعد إسقاطها، ففتحت تركيا كامل حدودها لتسهيل دخول آلاف المرتزقة الإرهابيين من مختلف الجنسيات بعد أن تم تدريبهم على أراضيها وتقديم الدّعم اللوجستي الكامل لهم.
    وعلى الضّفة الجنوبية كان الكيان الصهيوني ينتظر هذه اللحظة التي يزيح فيها من حساباته دولةً أساسيّةً في محور المقاومة الذي يعتبره الكيان حائطَ الصَّد الأول في وجه مشروعه التوسعي لتحقيق إسرائيل الكبرى كما يحلمون.
    كل ذلك اجتمع تحت عنوانٍ واحد هو إسقاط الدولة السورية واقتسام كعكتها بحصصٍ كُلٌ على مقاسهِ.
    بالتأكيد كل ذلك لم ينجح بعد الصمود الأسطوري لسوريا بجيشها الذي فاجأ العالم بما صنعهُ، وبشعبٍ وقف إلى جانب قيادته منذ اللحظة الأولى، ولا ننسى الدّور الكبير في هذا الصمود لدعم الدول الصديقة والحليفة لسوريا وهي إيران و روسيا إضافة إلى وقوف المقاومة اللبنانية إلى جانب الجيش السوري في معاركه ضد الإرهاب..
    فبدأ يتحقق الانتصار تلو الانتصار على كل الجبهات، إنطلاقاً من تحرير حلب التي سَخَّرتْ لها تركيا كل إمكانياتها وقدّمت دعماً لا محدود للمسلحين الذين أدخلتهم عبر حدودها، وصولاً إلى الجنوب السوري والقضاء على جبهة النصرة التي كانت على صلةٍ مباشرة مع عمق الكيان الصهيوني في قتالها ضدَّ الجيش السوري، والتي حاولت أن تلعب دور عناصر العميل انطوان لحد في الجبهة الجنوبية اللبنانية، لاستنساخ شريطٍ حدوديٍّ أمنيٍّ في الجنوب السوري على غرار الشريط الحدودي في جنوب لبنان، وفشلوا فشلاً ذريعاً.
    كذلك الحال مع تنظيم داعش الإرهابي الذي تمّ تركيبه من قبل ال CIA الأمريكية لزجّهِ في الحروب حسب الطلب، وقد أدّى التنظيم دوره بعد انتشاره بشكلٍ رئيسيّ في البادية السورية والمنطقة الشرقية بتخريب شريان الاقتصاد السوري وهو قطاع النفط والغاز ومنظومة الخطوط الكهربائية الممتدّة على مساحة سوريا.
    كل ذلك سقط أمام انتصارات الجيش السوري بالتعاون مع حلفائهِ بعد عشر سنوات من الحرب  القذرة، وتم تحرير 80٪ من الأراضي السورية، وهذا أدّى إلى انكفاء المشروع التركي الذي بقى متواجداً بعدّة نقاط عسكرية له في منطقة إدلب المتّصلة جغرافيّاً مع العمق التركي، وهدف هذه النقاط التنسيق الدّائم مع المسلحين الإرهابيين فيها وضمان حجز مقعدها في أي مفاوضاتٍ مستقبلية لحلٍ سلميٍّ للأزمة السورية. 
    أما الأميركي فقد استقر في منطقة شرق الفرات مستحوذاً على أهمّ الموارد والحقول النفطيّة فيها بالتعاون مع ميليشيا قسد الكرديّة التي كانت تتحيّن فرصة الانسلاخ عن سوريا بوعودٍ قدّمتها لهم الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على تأمين مقوّمات تحويلهم إلى كردستان سورية على غرار كردستان العراق.
    بعد الفشل الذريع عسكريّاً، بدأ الانكفاء الأميركي في المنطقة على قاعدةٍ فرضتْ نفسها وهي أنَّ القوة العسكرية لم تعد صالحةً لصناعة السياسات، و شعرت أميريكا والغرب بحالة استعصاءٍ في المنطقة سياسيّاً وعسكريّاً وخصوصاً في سوريا، فالانسحاب الكامل يعني الهزيمة الكبرى، والبقاء أصبح يكرّس مقومات الوصل إلى الهزيمة الكبرى، فكان خيار البقاء في سوريا بنظرهم لردّ الاعتبار، وعندما يصبح شعار الحرب هو ردّ الاعتبار عندها يبدأ أفول الدول العظمى، وليس الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلّا دليلاً على هذا الأفول.
    وبناءً على سعي الولايات المتحدة الأمريكية لردّ اعتبرها في المنطقة وبالتحديد سوريا بعد فشلها الذريع عسكريّاً فيها، لجأت إلى الخطة البديلة وهي الحصار الاقتصادي الجائر عليها، فكان قانون قيصر في الشهر   السادس من عام 2020 الذي كبّل الاقتصاد السوري وأرهقه بدءاً من فرض العقوبات على نظامه المصرفي والذي أدّى تدريجيّاً إلى فقدان العملة السورية لقيمتها الشرائيّة، وبالتعاون مع الدول الغربية تم إيقاف تصدير البضائع والسلع وقطع الغيار لكافة القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية بهدف إصابة الاقتصاد السوري بالشّلل التام، وتجويع الشعب الذي بقي صامداً عشر سنوات، وليس تضييق الخناق والعبث بالاقتصاد اللبناني إلّا فصلاً من فصول وتداعيات فرض الحصار الاقتصادي على سوريا، كون لبنان هو الخاصرة السورية الأكثر تفاعلاً على مستوى تبادل السلع بين البلدين، فنجحوا في تدمير الاقتصاد السوري وفشلوا في الوصول إلى ما عجزوا عن تحقيقه عسكريّاً.
    وفي جردة حسابٍ لكل السياسات الأمريكية والغربية ومن معهم في المنطقة، نجد أنّ هناك تراجعاً كبيرأ في هذه السياسات ودورها، ونجد العديد من الدول العربية قد بدأت تبني على هذا التراجع خط العودة إلى الحضن السوري وإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، وكان أولها دولة الإمارات العربية المتحدة، مستعيدةّ الفكرة الراسخة عبر الزمن
    أنّ سورية قلب العروبة النابض


    ad728