• اخر الاخبار

    صلة الرحم....

    الكاتبة سرى العبيدي 
    سفيرة الجمال والطفولة والإبداع العالمي .


    إن تحليل التكوين البشري بأسره ينتهي إلى آدم وحواء .. إلى أصل واحد .. وذلك مايوضحه القرآن الكريم بقوله :( يٓا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساؤلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا) النساء/١..
    وقوله :( يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) الاعراف/٢٧..
    ولهذه المفاهيم آثارها النفسية والاجتماعية والسياسية .. فالقرآن يريد توعية وتثقيف الجميع بأنهم من أصل واحد ، وأنهم أبناء آدم وحواء .. وهذه المفاهيم تؤكد وحدة النوع الإنساني ، والاخوة الإنسانية بين الجميع ليتعاملوا تعامل الإخوة فلا يستكبر بعضهم على بعض ، ولايظلم بعضهم بعضا ، ولايستاثر بعضهم على بعض ، ولايعتدي بعضهم على بعض .. وإذا كان الرحم مشتقا من الرحمة .. فالرحمة في مفهوم القرآن ليست خاصة بذوي القربى .. بل هي للبشرية جمعاء ..قال تعالى :( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهي ليست رحمة عصبية وانما رحمة إنسانية وقيمة أخلاقية عامة ..
    وعلى أساس هذه. الرؤى والمفاهيم يريد القرآن أن يبني العلاقات الإنسانية في المجتمع بعيدا عن العصبية والفئوية المغلقة .. ومع امتداد الزمن تفرق الناس وصاروا شعوبا وقبائل وأمما ، وصار بعضهم أقرب في النسب والرحم إلى البعض الآخر ، والقرآن يريد أن يحرص على هذا المنظم الاجتماعي ..منظم الرحمة والقرابة ويملأه بالعاطفة النبيلة ، ليكون أسسا ٱيجابية للتواصل والتعاطف والتعاون في السراء والضراء ..  فهو انطلاق رحمة ، وليس انطلاق العصبية .. وذلك مما يساعد على تقوية أواصر البناء في المجتمع وحفظ الأمن فيه ، وحل مشاكله ، ونشر مشاعر الحب والمودة والتعاون والتواصل بين أفراد المجتمع .. ويرفض القرآن العصبية القبلية والقومية والأسرية ، والتكتل العدواني ضد الآخرين ، والمساس بأمنهم وحقوقهم .
    إن مظاهر العصبية القائمة على صلة الرحم ، التي رفضها الاسلام ، ويرفضها منطق العلم والأخلاق ، هو مفهوم الاستعلاء القبلياو الأسري أو القومي .. وظاهرة الثأر القبلي ، والتناصر الظالم والعدواني بين أبناء القبيلة أو الشعب أو القومية الواحدة ضد الآخرين ..ظاهرة الثأر العشائري التي يؤخذ البريء فيها بذنب المجرم ، لوجود القرابة أو صلة الرحم ورابطة العشيرة بينهم .
    ومن تلك الظواهر ظاهرة الامتناع عن تزويج من لم يكن من أبناء العمومة أو العشيرة ، واعتبار ذلك شيناً على العشيرة كلها ، ومساسا بكرامتها وتجاوزا على أمجادها .. وكم من كوارث القتل والسجون ، والحرمان من الزواج ، وتهديد الأمن والاستقرار ، واقتراف الجرائم حدثت بسبب هذا التفكير الجاهلي المتخلف الذي نهى القرآن عنه ...
    لقد نظم القران هذه العلاقة تنظيما قانونيا وأخلاقيا ..فجعل بعض العلاقات النسبية سببا لحرمة التزاوج ..كالاخوات والخالات وأمهات الزوجات ، وبنات الاخ وبنات الاخت ...الخ
    كما جعلت الشريعة الإسلامية النسب والقرابة سببا لاستحقاق الميراث وتحمل الدية ...الخ ، قال تعالى:(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) النساء/ ٧ ...
    وبحث القرآن الكريم على النفقة وبذل المال للاقربين لحل مشاكلهم المالية ، وازماتهم الاجتماعية ، قال تعالى:( وأتى المال على  حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس أولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون) البقرة/١٧٧..
    وهكذا فإن المباديء الإسلامية تدعوا الى صلة الرحم والتواصل والمحبة والتعاون بين الارحام على البر والتقوى ، وليس على الاثم والعدوان ، وتنهى عن القطيعة والتنافر بين الارحام ...
    ويقدم الاسلام رابطة العقيدة والاستقامة السلوكية على رابطة الرحم والنسب ، قال تعالى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) التوبة / ٧١.
    ad728