التربية والاعلام
الكاتبة سرى العبيدي
سفيرة الجمال والطفولة والإبداع العالمي.
( الرحمن * علم القرآن * خلق الانسان * علمه البيان ).
( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة.....) . كل مافي الإنسان معجز مدهش تتجلى فيه عظمة الباري وقدرة الصنع والإبداع الالهي الرائع ، غير أن امتلاك الإنسان للعقل والنطق هو من أعظم آيات الله في هذا الكائن العجيب .
وكما هو واضح فإن التفكير والقدرة على البيان والافصاح عما في النفس ونقل الأفكار إلى الآخرين هي العناصر الأساسية في بناء الحياة والروابط الاجتماعية ، وتكوين المدنية والنسيج الحضاري .
والقرآن يقرر في هذه الآيات أن الإنسان زود بالقدرة على اكتساب المعارف عن طريق الحواس لاسيما السمع والبصر والعقول ، ومنح إمكانية نقل تلك المعلومات التي حصل عليها إلى الآخرين ليتسلموها عن طريق السمع والبصر وغيرها من وسائل التلقي ، وبذا يتم التأثير على الآخرين ونقل المعلومات إليهم ، ربما وإقناعهم بما يريد .
فعن طريق السمع والبصر تتم الاستفادة من الكلمة والصورة .
ولأسباب عديدة عقيدية وسياسية واقتصادية ونفسية وأمنية وعسكرية ....الخ ، احتاج الإنسان إلى الدعاية والإعلام لنقل أفكاره ومتبنياته ومراده إلى الآخرين ، فاستخدم الخطابة والكتابة والصورة بأشكالها البدائية.
وبعد أن تطورت العلوم والمعارف والقدرة التصنيعية للإنسان كانت التقنية الإعلامية إحدى أبرز الإنجازات التي اعتنى الإنسان بتطويرها ، لا سيما بعد أن استخدم الإعلام أداة أساسية في الصراع الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري .
لقد ترك الإعلام أثره في الحياة البشرية كلها ، لاسيما بعد صنع الورق واختراع الطباعة والراديو والتلفزيون والسينما والفيديو ...الخ .
ونستطيع أن نتصور ضخامة العمل الإعلامي وقدرته التأثيرية إذا اطلعنا على احصائيات اليونسكو التي تشير إلى تزايد الأجهزة ومحطات الارسال التي تبث برامجها على مختلف الموجات وبشكل مستمر .
ويمكن تخمين الزيادة والتطور الحاصل في هذا الهيكل الإعلامي العملاق في يومنا هذا ، آخذين بنظر الاعتبار التطور التقني العام ، وزيادة الدخل ، وتطور البلدان وتأثير سياساتها ورغبة الإنسان بالمعرفة مع إدخال أساليب التشويق والتأثير وعوامل الجذب للمتلقي وغيرها الكثير .
أن الإعلام علم وفن له خبراءه وأجهزته والمختصون به ، لذا فإن الإعلام يقوم على أساس التخطيط وتجنيد العلوم والمعارف ، كعلم النفس والاجتماع والأدب والفن وعلم الجمال والفيزياء..الخ ، لتحقيق أهدافه بالوصول إلى أعماق الإنسان ، وتبليغ رسالته التي يحملها إليه .
لقد أصبح الانسان يعيش في ظل العمل الإعلامي طوال يقظته وحركته اليومية .
فالراديو والتلفزيون والجريدة والنشرة والملصق الجداري والفيديو والسينما وجهاز التسجيل ودعاة الأفكار المختلفة ...الخ ، كلها وسائل تعمل على توجيه فكره ومشاعره ، وتكوين شخصيته ، وإقناعه بما يخطط ويراد ، من فكر وسلوك وثقافة وقناعة ، والعمل الإعلامي نشاط فكري ينطلق من أسس عقيدية ونظرية سياسية ، لذا يشكل الإعلام باجهزته المختلفة إحدى أبرز المؤسسات التربوية والتوجيهية في المجتمع ، بل وربما تفوٌق تأثيره على تأثير الأسرة والمدرسة .
والطفل والناشيء والمراهق كما تقرر الدراسات لديه الاستعداد للتقبل والتلقي أكثر من غيره لاسيما وأن الصورة الإعلامية المتحركة والمدروسة التي يعرضها التلفزيون والفيديو والسينما قادرة على التفاعل مع وجدان هذا المشاهد ومشاعره وإثارة أهدافها الإيجابية أو السلبية في نفسه .
ويكون الجهاز الإعلامي في المجتمع هو أحد المربين ومصممي شخصية الإنسان ، والمنافسين الأقوياء للاباء على أبنائهم وشريكاً في تربية الجيل مع الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية والسياسية الأخرى.