• اخر الاخبار

    (نشوة التدخين ) قصة قصيرة

    عبد الله علي محمد الحرمي
     
    منذ الطفولة كنتُ مشتتْ الأفكار دون هدف واضح، لم أكن أهتم بأي شيء بينما كانا والداي يقرران ويحددان كل ما أفعل لم يكن لي رأي أمامهما، مجرد طفل ثم مراهق كيف يستطيع أن يتخذ القرارات الصحيحة لحياته هذا ما كانا يقولانه أو ماكنت أظن أنهما يفكران به، لكني كنتُ أتخذ قراراتي في غرفتي أمام شاشتي حيث عالمي الخاص أفعل ما يحلو لي عالمٌ لا يوجد فيه والداي لكي يتدخلا ويقرران عني فيما أريد فعله كان أول خيار لي هو اختيار اللعبة التي سوف العبها دون تفكير بالعواقب، الحياة ليست لعبة هذه الجملة كانت تردد على مسامعي 
    أحياناً افكر أن بعض جوانب الحياة يمكن أن أشبهها ببعض مراحل لعبة معينة أبسط مثال تحقيق الأهداف بالحياة يشبه إلى حدٍ كبير تحقيق هدفك الأساسي من كل لعبة وهو الفوز ، والهدف يقع خلف وحش مخيف فيجب عليّ أن اقتل هذا الوحش لكي أفوز بهدفي لكن مع التقدم بكل مرحلة يصبح الوحش أكثر قوة، أكملتُ دراستي وصولاً الى السادس الإعدادي وهذا هو الوحش الذي بدا للجميع بأنه الأكثر بطشاً ليس لي فقط بل لجميع طلبة السادس في العراق لكني كنتُ مطمئناً بأن الفوز حليفي، كانت ثقتي العالية بنفسي جعلتني أعمى بعض الشيء، مابين يومٍ وليلة تغيرتْ حياتي بأكملها حين انتقلنا من محافظة بغداد إلى محافظة البصرة الحبيبة كما يسميها أبي، مدينةٌ تختلفُ عن عالمي تماماً، مدرسةٌ جديدة وغريبةٌ في الوقت ذاته، تقع وسط  أكبر سوقاً تجارياً، كانت ذات بناء قديم يعود إلى فترة الخمسينات  الرطوبة تعلو الجدران، الاسقف مهترئة، أعداد الطلاب في الصف الواحد تتجاوز الستون، كنتُ احاول أن اتجاوز كل هذا لكنني لم استطع تجاوزه ما زاد الأمر تعقيداً  الطلبة المتنمرين بشكل غير طبيعي حيث كنتُ امثل لهم وجبة دسمة زاد في تشتت انتباهي وعدم تركيزي في الدراسة لدرجة أنني بدأت أكره الطلاب والمدرسة بل وطريقة تفكيرهم كذلك 
    مرتْ الأيام بصعوبة بالغة صرتُ أفهم طريقة تفكيرهم 
    طفقتُ أبحثُ عن صديقٍ على شاكلتي وسرعان ما وجدتُ ذلك الصديق، كان مختلفاً عن الجميع ويشبهني كثيراً فكلانا نبحثُ عن الهدف ذاته وهو الدراسة والتفوق كان طالباً مجداً ورغم اهتمامه بالدراسة إلا أنه كان يحب المرح واللعب كثيراً لكن لايوجد شخص يخلو من العيوب 
    مع كل المميزات التي يمتلكها إلا أن هناك مايشوب تلك الميزات ويعكر صفوها، في إحدى الأيام وبينما كنتُ استنشق الهواء النقي كانت رائحة التبغ المحترق تتسربُ إلى أنفي قبل أن الاحظ أن صديقي بجوراي يمسك بسيجارة تبدو وكأنها أحد أصابعه، تجاهلت ُ ما رأيتْ 
    فبالنهاية أنني لستُ متضرراً، مرتْ الأيام على هذا النحو وفي إحدى الصباحات الباردة من شهر ديسمبر بدأت التدخين مع صديقي مصطفى فوجدتُ بمرارة السيجارة نشوةً لم اذقها بغيرها مما زاد في إعجابها بها وبعد مرور وهلةً من الوقت ذهب ذلك الأحساس حاولتُ أن استردها فأخذتُ سيجارةً أخرى لكن تلك النشوة لم تعود بنفس القوة، بدأتْ نفسي تطمع بالبعيد كنتُ أسمع مراراً كلما يزداد التعب تزداد المكافأة، فأخذتْ نفسي ترنو إلى المزيد وكأنني حصلتُ على تلك الجائزة المرجوة فشعرتُ أني ربحتُ أكثر مما خسرت حتى جال في نفسي كثير من الأيام مرت لم أشعر بسعادة تلك النشوة المؤقتة باتتْ معشوقتي التي أسعدتني وبأحنك أوقاتي أسندتني وساعدتني حتى أصبحت سعادتي، عشقتها لكنها لم تعشقني كرهتني، عذبتني وأشبعتني وجعاً، أحرقتْ أيامي وكنتُ أظن أني من أحرقها وأشوهها بقدمي لكن الواقع هي من دهستني وأذلتني وعن الحياة أبعدتني، وعن الواقع عزلتني، سرقتْ أنفاسي ولحظات حياتي .

    الكاتب مواليد محافظة البصرة، طالب في الصف الرابع إعدادي، من ثانوية منابع العلم الأهلية للبنين،  فاز بكتابة هذه القصة ضمن مسابقة اقيمت باشراف  الست نور الهدى
    ad728