خدوش لا تلتئم ... قصة قصيرة
مسابقة قصصية تحت اشراف الست نور الهدى العامري
بقلم : زهراء مسلم كاظم
محافظة البصرة
كل فتاة في هذا الكون يكون والدها فارسها وقدوتها في كلِّ شيء، عندما تُخذل في الحياة يكون لها الجدار الذي تستند إليه، لكن أبي كان مختلفاً تماماً .
في ذات يوم كنتُ العب في فناء دارنا انظر بفضولٍ عارمٍ إلى باب تلك الغرفة الحديدي المزخرف التي لطالما كان والدي يمنعني من الدخول إليها أنا و أمي، انتهزتُ فرصة غيابه عن المنزل محاولةً فتح باب الغرفة لإشباع فضولي، وما ان دخلتُ إليها تفاجئتُ بمنظرها الجميل وتفاصيلها الرائعة، الجدران مطلية بلونٍ فضي ساحر يتوسط الغرفة مكتب خشبي بني اللون ترتصف عليه بعض الكتب القديمة ومسبحةٍ تنتظم حباتها ذات الثقوب الصغيرة لتشكل حلقة حيث تجمع نهايتي الخيط مكونة عقداً لطيفاً لم أرَ مثله قط، تناولتها بيدي فبدأتُ اقلبها وهي تتلألأ وبينما كنتُ أتأملها انقطع الخيط فتناثرت البلورات اللامعة، تسمرتُ في مكاني من شدة الخوف
اصابني الذعر أسرعتُ في لملمة الحبات التي تلاشت معظمها افكر ماذا سيحل بي ان جاء والدي، هو أب قاسي لم أرَ في عينيه الحنان أبداً ولم أجد الأمان في احضانه رغم أني كنتُ وحيدته، وبعد هنيهة سمعتُ صوت خطوات أبي تتجه نحو الغرفة لم استطع الهرب
رأى حبات المسبحة في يدي، سحب يدي بيديه الخشنتين نادى بصوته المرعب
-ألم أمنعكِ من الدخول إلى هذه الغرفة .
سمعتْ أمي صوت صراخه فجاءتْ مسرعة، استدار ناحيتها لم يقل شيئاً وجه لها ضربةً في وجهها، أفلتُ يدي وجلستُ أرضاً اصمُ اسماعي عن صوته، بات يضربُ أمي بكل وحشيةٍ حتى سال الدم من أنفها وصار وجه أمي لا يُرى من كثرة الدماء، اغمي عليها من شدة الضرب
توجه صوبي تناول ابريق الماء من على الطاولة سدد ضربته في رأسي، لم أشعر بالألم حينها فقدتُ الوعي
استقيظتُ بعد يوم كامل لأجد نفسي في غرفة مظلمة يتسلسل الضوء الخافت من تحت الباب، استجمعتُ قواي محاولةً الخروج، صُدمتُ الباب مقفل طرقتُ الباب لكن دون جدوى بقيتُ يومين دون طعام أسد به رمقي ودون استحمام، هنا عرفتُ مكانتي عند أبي لأول مرة رغم أنه كان كل يوم يضربني، بكيتُ كثيراً كم كنتُ أحلم أن يكون لدي أب حنون يحبني ويحنو عليّ ويعامل أمي بلطفٍ ليس كخادمة، كنتُ دائماً ارسمه صورةً جميلة في خيالاتي واحكيها إلى صديقاتي، اتكلم في فرحٍ عن أبي الذي رسمته في مخيلتي، اغمضتُ عيناي لوهلةٍ انتشر الضوء في الغرفة فتحت والدتي الباب لتخرجني رغماً عنه
قامت بتحميمي وتبديل ملابسي، شدتْ ضمادة على رأسي بعد أن عقمت مكان الجرح، وضعتُ رأسي في حجرها والدموع تنهمر من عيوننا عانقتها بقوة حتى انقطع نفسي، سألتُ والدتي عن سبب منع والدي لنا من الدخول إلى الغرفة وهل تستحق هذه الغرفة كل هذا العقاب أجابتني أن جدي كان يقسو عليه كثيراً رغم أنه يحبه فكان يضربه ويعذبه داخل هذه الغرفة وعندما توفي جدي بات أبي كلما يرى اشياء جدي تنتابه العصبية فيزداد قساوةً وعند خروجه من تلك الغرفة المشؤمة يفرغ غضبه في التدخين محاولاً نسيان ما مرّ به من أيامٍ عصيبة سرقتْ طفولته، وشبابه .
القسوة لسيت دائماً عنوان القلوب الميتة، فالقلوب الطيبة تقسو أحياناً عندما تكون مجروحة.