سلام على الوفاء, واداء الامانه ..بقلم / غالب خزعل
انهكهم التعب من طول المسير وهم يلوذون بين البساتين والانهر خشية ان يكتشف الطغاة امرهم . حتى الجوع لم يمهلهم لحين مايجدوا مكانا ءامنا او بالقرب من مجرى نهر فيه ماء قبل ان ينفد ماعندهم من الماء . منحدر تواروا به عن الانظار فجلسوا واستلقوا في هذا المنحدر فغلبهم النعاس وأغمضت عيونهم كرها وكل طرح متاعه الى جانبه فناموا ليس طويلا بسبب خوفهم من العساكر الذين ينتشرون بتلك البساتين لمنعهم من الوصول الى مقصدهم فاستيقضوا فزعين خائفين وكانهم ناموا امدا طويلا الا ان امتعتهم عرفتهم بمقدار نومهم الذي لم يمضو فيه طويلا من شدة ما اصابهم من تعب ولم يدخلو في سجال عن مدة نومهم حتى روى احدهم ماشاهده في لحظات هذا النوم العميق والقصير فاصغوا اليه السمع هو يحدثهم عن عسكر طوقهم متبعين اثار الدماء التي نزفت من اقدامهم وهم يتخطون اشواك وعاقول البساتين وحدثهم عن مقاومتهم للعساكر المدجيين بانواع الاسلحة حتى القوا عليهم القبض بعد ان منحهم العسكر الامان وهم مثخنين بالجراح فقبلوا السلام ,هذه الرؤيا صرفت احدهم الى اربعة عشر قرنا هجريا يزيدون قليلا عن شاب يحمل رسالة سلم وسلام لقوم لايفقهون من الحديث شيئا وكأنهم مصداقا للاية الكريمة {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }البقرة171 بعد ان اجتمعوا اليه ثم تفرقوا عنه قبل ان يكمل صلاته فلم يزده جمعهم عزة ولاتفرقهم عنه وحشة الا إنه في مدينة لايعرف طرقها وليس له احد قريب وهي خالية من النزل ليستريح به ويتدبر الامر فمكث يسير بين طرقات لايعرف مخرجاتها والى اين هو ذاهب ولم يفكر بالهرب مهما اشتدت عليه العظائم حتى توقف عند ذاك الباب الذي خرجت منه امرأة فطلب منها قليل من الماء ثم طلبت منه المغادره فطلب منها المكوث حتى ذهاب سواد الليل ولها اجر في الدنيا واجر في الاخره فقبلت اجر الاخره ورفضت اجر الدنيا بعد ان عرفته مليا وما ان دخل بدأ بالصلاة وتلاوة القران وقبل صلاة الفجر دخل ابن نوح وهو ابن تلك السيدة التي اوت هذا الشاب ويتعرف على الضيف فسرعان ما كتم سره وخرج مسرعا ولم يسمع صيحات امه لاتخزني بضيفي, لاتخزني بضيفي , لا تخزني بضيفي .. لينال جائزة الدنيا من امير الفاسقين وما ان فرغ الشاب من الصلاة حتى قالت له تلك العجوز لقد جاءك القوم فتقلد سيفه وأرتدى درعه وخرج اليهم وبدأ القتال كأنه جيشا بمفرده وقاتل ولم يعرف الاستسلام حتى باءت كل حيل القوة التي تريد القاء القبض عليه او قتله ويده على قبضة السيف ولسانه يوعظ به القوم الذين يقاتلونه فلم يرو بدا الا ان يعرضوا عليه السلم والامان له ان ذهب معنا الى الامير فكانت له فرصة ليس للنجاة لانه يعرفهم قوم ليس لهم الا ولاذمه بل وجدها فرصة للنصح وتبيلغ الرساله التي حمل بها عارفا بنتيجة الموت سلفا لكن موتا يرتقي به سلم المجد , اهون عليه من موت الذل والهوان . فكان أول غدر القوم ان قيدوه بالحديد من عنقه الى اخمص قدمه , حتى ادخل على اعتى طغاة عصره راهبا من في القصر كأنه مصداقا لقول الشاعر :
( ان الجواهر في التراب جواهر
والاسد في قفص الحديد اسود)
هكذا دك الايمان بالله والعمل على اعلاء كلمة الحق عروش الطواغيت وهز مضاحعهم فكأن التاريخ يتكرر عندما هز الشاب نبي الله ابراهيم الخليل عليه السلام عرش النمرود ونبي الله موسى عليه السلام عرش فرعون غير مبالين بمن جمعوا من العساكر والناس وها هو اليوم مسلم ابن عقيل عليه السلام يهز عرش الطاغوت عبيدالله بن زياد لعنة الله عليه هو وحده غير مبال بمن جمعهم من الناس فاسكت صوت الباطل وعلا صوت الحق عندما بلغ سفير الامام الحسين عليه السلام الرساله وأدى الامانه دون نقص فزلزلت عرش الطاغوت وتعالت التكبيرات بعد ان رموا جثة مسلم من اعلى القصر وهم سمعوا تكبيرات الاذان فشمروا ثيابهم للوضوء والصلاة فرحم الله مسلم وسلام على وفاءه وسلام على ايمانه وتقواه وسلام عليه في جنة الخلد عند مليك مقتدر لاتضيع عنده مظالم العباد ...
..............
الكاتب: غالب خزعل ..صحفي متمرس ويعد من رواد الصحافة البصرية عمل في العديد من المؤسسات الاعلامية محرراً ومراسلاً وكاتباً .
عضو نقابة الصحفيين العراقيين