• اخر الاخبار

    نقلاً عن مجلة (الصين اليوم) خلال لقاء مع السفير الاردني في الصين العلاقات الصينية- الأردنية.. تاريخ طويل ومستقبل واعد

     


    مقابلة مع السفير حسام الحسيني، سفير الأردن لدى الصين.

    الصين: ماهيتاب أحمد

    منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة الأردنية الهاشمية في عام 1977، تجمع بين البلدين صداقة حميمة، تُوجت بإقامة الشراكة الاستراتيجية بينهما في عام 2015. معالي السفير، نود أن تستعرضوا لنا تاريخ التبادلات بين البلدين، والإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومتا البلدين لتعزيز التعاون الثنائي.

    السفير حسام الحسيني: الحديث عن العلاقات الأردنية- الصينية يرجعنا دائما إلى التاريخ، فالعلاقات ليست بحديثة، رغم إقامة العلاقات الدبلوماسية منذ 45 عاما فقط. إن العلاقات التاريخية التي تربط الصين والأردن ترجع إلى أكثر من ألفي عام، عندما كانت مملكة الأنباط العربية في جنوبي الأردن، والتي كانت من أقدم الممالك في ذلك الوقت، أحد المحطات المهمة على طريق الحرير القديم. لذلك نعتز دائما بالعلاقات التاريخية التي طالما جمعت بين الشعب الأردني والشعب الصيني الصديق، والتي عززتها إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1977. رعى هذه العلاقات القيادتان الحكيمتان في الأردن والصين خلال هذه السنوات الطويلة، وازدهرت بشكل خاص خلال العشرين عاما الأخيرة. ونعتز بشكل خاص بأهمية عام 2015، عندما قام الملك عبد الله الثاني والرئيس شي جين بينغ بتوقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية، والتي دشنت مرحلة جديدة من العلاقات المتنوعة لتنمية الشعبين الصديقين وتعزيز أواصر الصداقة بينهما.

    ((الصين اليوم)): الكل يعرف مبادرة "الحزام والطريق" و"رؤية الأردن 2025"، فما هي الصلة بين هاتين الإستراتيجيتين الوطنيتين، وما هو الأثر الإيجابي الذي تحدثه الإستراتيجيتان على تنمية البلدين، وعلى تحسين معيشة الشعبين؟

    السفير حسام الحسيني: "رؤية الأردن 2025" رؤية حكيمة من جلالة الملك، هدفها توجيه قدرات الدولة الأردنية للتركيز على العناصر التي تساعد على نهضة الأردن في السنوات الأخيرة والسنوات القادمة. إن العالم يمر بتغيرات كثيرة تتطلب جهودا مستمرة لتمكين الأردن من مواجهة هذه التحديات من جانب، ولتوفير التنمية والرفاه لشعبه من جانب آخر. لذلك تركز "رؤية الأردن 2025" على عدة محاور رئيسية وهي: تنمية الفرد وتعزيز مشاركته بنشاط في تنمية الدولة ونهضتها؛ التركيز على ديناميكية الاقتصاد؛ توفير البيئة الآمنة والمستقرة في المملكة الأردنية الهاشمية التي نعتز بمتانتها وصلابتها، والتي من خلالها أصبح الأردن واحة للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؛ وتأكيد فاعلية وكفاءة الأجهزة الحكومية في إدارة الدولة. وانبثقت من هذه الرؤية أهداف متعددة تسعى إلى توفير البنية التحتية لمختلف القطاعات التعليمية والصحة والمواصلات والإسكان والرفاه الاجتماعي وغير ذلك، وأيضا في الاقتصاد القائم على الشراكة الحقيقية بين القطاع الخاص والقطاع العام، وتعزيز دور القطاع الخاص، بما يساعد على توفير فرص عمل مستدامة وممكّنة للشباب الأردني، وتوفير بيئة تساعد على تنمية القطاعات الأخرى. بالنظر لتلك الرؤية، فإنها تتوافق بالتأكيد في الكثير من المواقع مع مبادرة "الحزام والطريق"، التي تهدف لتعزيز التعاون مع الدول الصديقة في بناء البنية التحتية القادرة على تنمية الاقتصاد التجاري وتسهيل التبادل والتعاون الثقافي أيضا. لذلك، من دواعي سرورنا أننا من أوائل الدول التي رحبت بمبادرة "الحزام والطريق"، ونسعى دائما أن نكون فاعلين في التعامل مع تأثيرات هذه المبادرة وفي التعاون المستقبلي بين البلدين. وهناك بعض المشروعات في الكثير من المجالات المختلقة، التي أُطلقت في الأردن في إطار هذه المبادرة، والتوجهات الأخرى في التعاون الاستثماري والاقتصادي وفي تعزيز الطاقة والصناعات الكميائية وغيرها من المشروعات التي تصب في تعزيز البنية التحتية والروابط التي تنطوي تحت مبادرة "الحزام والطريق" وتعزز وتؤكد العلاقات الخاصة بين الأردن والصين.

    ((الصين اليوم)): كيف تنظرون، كدبلوماسي مرموق، إلى "الدورتين" الصينيتين السنويتين، والقمة الصينية- العربية المزمع عقدها هذا العام؟ وكيف يمكن للأردن الاستفادة الكاملة من هذين الحدثين؟

    السفير حسام الحسيني: نشكر الحكومة الصينية التي تتيح لنا دائما فرصة حضور هذا الحدث المهم. على مر السنوات الماضية شاهدنا بشكل قريب تركيز الحكومة الصينية واهتمامها المتزايد في تعزيز الرفاه والتنمية لأبناء الشعب الصيني الصديق. بالنظر إلى الدورتين، بالنسبة لنا كمشاهد من الخارج ومراقب، ننظر إلى الأمور بنتائجها. وقد ركزت على مر السنوات الماضية على تطوير البيئة الخارجية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين. الآن، نحن نشاهد نتائج هذه الجهود الجبارة التي قامت بها الحكومة الصينية خلال هذه السنوات. نشاهد دائما الخطط التنموية التي أُقرت على مدار السنوات الماضية من خلال هذه الدورات المتتالية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ومثل هذه الخطط والإستراتيجيات تقف الآن شاهدا في نتائجها في المستوى الحضاري الذي وصلت إليه الصين والتقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي وفي التنمية الاجتماعية والبشرية بشكل عام في الصين، وفي مكافحة الفقر ونتائجها العظيمة في مختلف المناحي.

    ((الصين اليوم)): ما هي أبرز النشاطات المتبادلة التي أقامها الجانبان الصيني والأردني في مجالي الثقافة والتعليم؟

    السفير حسام الحسيني: الحضارة الصينية حضارة عريقة تقوم على القيم النبيلة، والحضارة العربية أيضا التي تمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام، قائمة أيضا على القيم الإنسانية النبيلة، فكان من الطبيعي أن تتلاقى الحضارات التي تجمعها هذا القيم المشتركة. كانت الأردن دائما من الدول العربية الرائدة في تعزيز التبادل الثقافي. فعلى صعيد اللغة، تنتشر اللغة الصينية بشكل كبير في الأردن، حيث يوجد بها العديد من معاهد كونفوشيوس لتدريس اللغة الصينية وثقافتها، وفي المقابل هناك العديد من مراكز تعليم اللغة العربية للأصدقاء الصينيين في العديد من الجامعات الأردنية. وهناك أيضا العديد من الطلاب الأردنيين الذين يدرسون في الصين، وتزداد أعدادهم أكثر فأكثر، ويرجع سبب ذلك إلى الإيمان الحقيقي بأهمية الصين ومستقبل العلاقات بين البلدين والقيمة المضافة في التعليم والتبادل العلمي والثقافي. ونقدّر أيضا اهتمام الأصدقاء الصينيين باللغة العربية وأود أن أحيي بهذه المناسبة المجموعة الصينية للإعلام الدولي على دورها المهم في الترجمات إلى اللغة العربية لتعرفنا بالأدب الصيني الكلاسيكي والروايات الصينية المهمة، فهي مصدر مهم لتعريف المواطن الأردني والعربي على النواحي الأدبية والثقافية الصينية، ونسعى أيضا من جانبنا إلى تعزيز الترجمات إلى اللغة الصينية. هذا إلى جانب التعاون الإعلامي والتعاون الفني في الفنون المختلفة القائم بين الأردن والصين.

    ((الصين اليوم)): ما هي آفاق التعاون المستقبلية بين البلدين في المجالات المختلفة مثل بناء الحضارة الإيكولوجية وتغيير المناخ والطاقة الجديدة وما إلى ذلك؟

    السفير حسام الحسيني: إن الصين بلد كبير جدا، وبذلت جهودا كبيرة في العديد من النواحي التي انعكست على التنمية البيئية. لقد زرنا من قبل عدة مناطق في الصين مثل قويتشو ويوننان وغيرها، ولمسنا عن قرب الجهود التي تقوم بها الحكومة الصينية في مجال التنمية البيئية والمحافظة على التنوع البيولوجي. ولمسنا أيضا الجهود التي تقوم بها لتحويل مصادر الطاقة إلى طاقة متجددة ونظيفة. أعتقد أن هذه واحدة من التجارب المهمة جدا ليس فقط للصين وإنما أيضا للبشرية كلها، فإن التنمية في هذا المجال البيئي في بلد بحجم الصين يخدم بالتأكيد كل الإنسانية. ومن الطبيعي أن يكون هناك تأثير إيجابي لجهود الصين عالميا من خلال مساهمتها في المنظمات العالمية المعنية. هناك تقنيات وتكنولوجيات متقدمة في الصين تخدم الأهداف البيئية، على سبيل المثال: الطاقة المتجددة، يهتم الأردن اهتماما كبيرا بمجال الطاقة المتجددة ومصادر الطاقة، خاصة وأن الأردن يفتقر للطاقة التقليدية، فكان تحول الأردن نحو الطاقة الجديدة ملحا بسبب احتياجات البلد. هناك الكثير من المشروعات التي أُطلقت في الأردن بالتعاون مع شركات ومؤسسات صينية تخدم هذا الإطار، كمشروعات الطاقة الشمسية بجنوبي الأردن، ومشروعات طاقة الرياح. لذلك ما تقوم به الصين في هذه المجالات من جهود يفيد بشكل كبير العلاقات الثنائية من خلال التعاون، وهناك الكثير من مجالات التعاون التي نستكشسفها في التعاون المستقبلي بيننا.

    ((الصين اليوم)): كان لجائحة كوفيد- 19 تأثير إيجابي على دفع التعاون في مجال الصحة بين الصين والأردن، ولكنها أيضا لها تأثير سلبي على قطاع السياحة، فما هي خطط الحكومتين الصينية والأردنية لدفع التعاون في مجال السياحة في فترة ما بعد الوباء؟

    السفير حسام الحسيني: إن الأردن بلد يعتمد على القطاع السياحي، فهو مصدر مهم للدخل والتنمية. فالمملكة الأردنية غنية بالمناطق السياحية المتنوعة، فبها السياحة البيئية والسياحة الدينية والسياحة الأثرية والتاريخية وغيرها، كما بدأت المملكة الأردنية الاهتمام بسياحة صناعة الأفلام في السنوات الأخيرة، وأصبحت واحدة من المواقع السياحية المهمة والمؤثرة في هذا المجال، وأصبح هناك العديد من الأفلام العالمية التي يتم تصويرها في الأردن وتستفيد من المزايا البيئية والسياحية في الأردن. لذلك تعتبر السياحة في الأردن عصبا اقصاديا مهما، تضرر للأسف بسبب الجائحة. نأمل أن تنتهي معوقات السفر في المستقبل القريب حتى يتمكن هذا القطاع من استعادة فاعليته ونشاطه. إن الصين مصدر مهم للسياح في الأردن، ولمسنا رغبة الصينيين الحقيقية في استكشاف وزيارة الأردن. ورغم صعوبة السفر في الوقت الحالي، فنحن نقوم حاليا بحملات لتعريف أصدقائنا الصينيين على الأماكن السياحية والتاريخية في الأردن. إن هذا القطاع أحد القطاعات الواعدة بين الأردن والصين والتي ستحقق أثارا إيجابية بالتأكيد بعد انتهاء الوباء.

    ((الصين اليوم)): كسفير للأردن، الدولة المتعددة الأديان والطوائف، كيف ترى وضع المسلمين في الصين؟

    السفير حسام الحسيني: إن الإسلام ليس غريبا عن الصين، فلقد دخل الإسلام إلى الصين منذ مئات السنين، بسبب القواسم المشتركة التي جمعت بين الإسلام والكونفوشية والقيم الحضارية المشتركة. لو عدنا إلى التاريخ سنجد أنه كان هناك الكثير من القادة ومستشاري الأباطرة والجنرالات في الجيش من المسلمين، في العصور المختلفة. وكانت هناك محاولات كثيرة من القيادات الصينية على مر العصور للاستفادة من الثقافة والديانة الإسلامية في تنمية وتعزيز ازدهار الصين. وباعتباري مسلما، أعتز جدا بوجودي هنا في الصين، فلقد زرنا العديد من الأماكن التي تتواجد بها الجاليات الإسلامية ولمسنا بأنفسنا الحياة والشعائر التي يمارسونها في مختلف المناطق. إن احترام الأديان سمة وجزء أساسي من حضارة الصين والشعب الصيني، فهو يحترم الديانات المختلفة والثقافات المختلفة واحترامهم للأقليات الموجودة داخل المجتمع الصيني بمختلف منابتها وأصولها وثقافاتها. إن الإسلام كما كان في السابق جزءا مهما ومكونا أساسيا للحضارة الصينية، فلا يزال جزءا لا يتجزأ من القوميات المختلفة الموجودة في الصين ويحظى بالاحترام والرعاية من قِبَل الحكومة والشعب الصيني.

    ((الصين اليوم)): ما هي تطلعاتكم خلال فترة عملكم في الصين؟

    معالي السفير: كما أسلفت، فإن العلاقات الصينية- الأردنية علاقات متينة قائمة على الاحترام المتبادل وعلى البعد التاريخي والتطلع إلى المستقبل فيما يتعلق بالتنمية المشتركة والتعاون الاقتصادي والثقافي وغيرها. إن دور الصين العالمي يزداد أهمية، وينعكس هذا الدور على العلاقات والقضايا والتحديات العالمية، وأهداف التنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة، وهناك حاجة ماسة إلى دول فاعلة تحقق هذه الأهداف، سواء في قضايا مكافحة الفقر والمحافظة على البيئة وتوفير الطاقة والصحة وغيرها. إن الصين مؤهلة أن تكون دولة لها دور قيادي في تحقيق أهداف التنمية الأممية. لذلك ننظر لمستقبل العلاقات من منطلق تلاقي الفكر والرؤية والسعي لتحقيق الرفاه لشعبينا والتنمية البشرية والتعاون في مواجهة التحديات العالمية. نتطلع دائما إلى استمرار التعاون بين الأردن والصين في القطاعات المختلفة، خاصة وأن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للأردن، والأردن من جانبه يوفر مركزا لوجستيا واقتصاديا مهما لاستقطاب الاستثمارات والأعمال الصينية، والتي نأمل من خلالها أن توفر المزيد من فرص التعاون والتشارك بين البلدين في مختلف القطاعات.

    ((الصين اليوم)): أخيرا، نرجو منكم توجيه كلمة إلى قراء مجلة ((الصين اليوم)).

    معالي السفير: أود مرة أخرى أن أؤكد على احترامنا الشديد لمجلة ((الصين اليوم)) والجهود التي تقوم بها، فهي مادة إعلامية تعكس إنجازات هذا البلد العظيم، وتعكس أيضا الفرص التي يمكن أن تتاح للمزيد من الشراكة بين الدول العربية والصين. وأؤكد على الحاجة الماسة لهذه المادة الإعلامية، فهي أساسية للمحافظة على تعزيز أواصر الصداقة العربية- الصينية، وتعزز التبادل الثقافي واستكشاف المزيد من نقاط التلاقي بين الحضارة العربية والصينية


    ad728