وجه الحائط
علاوي آل عراق
بخطواتي المعتادة التي أسير بِمثلها طوال السنينِ و طولَ العمرِ و كُلَّ يومٍ، متجهاً نحو دُكاني المتواضع كُلُّ شيءٍ عادي مثل أيِّ يوم عادي لا يحصل فيهِ شيءٌ سوى القتل و السرقة و العداء و الكره و الموت بسبب أخطاء لم نرتكبها، في هذا المكان المُسمىٰ بساحة المدارس، سُمي هكذا لأنه يحتوي على تِسعِ مدارس مبنية بشكل دائرة، الأبواب الرئيسية لِتلكَ المدارس مفتوحةٌ على هذهِ الساحة، حائطُ المدارس مبني مثل قطعةٍ واحدة، بنفس التصميم و الارتفاع الذي يصلُ إلى ثلاثِ أو أربعِ أمتار، في وسط تلك الساحة الشاسعة كان هنالكَ مقهى يجلس فيهِ أولياء أمور الطلاب حين يوصلونَ أطفالهم إلى المدرسة، و بِجانبِ المقهى محلُّ صديقي خالد يبيعُ فيهِ الألعاب و الدمى يُجاورهُ دكاني الصغير الذي أبيع فيهِ القرطاسية و ملابس الأطفال، و محلاتٌ آُخرىٰ تركها أصحابها خوفاً على حياتهم مِن هذا المكان وصلتُ أخيراً إلى دكاني فتحتُ الباب و بدأتُ أنظفُ الرفوف و الحيطان و الأرضية الإسمنتية، جلستُ أتأمل الأقلام و الدفاتر متذكراً أيامي حين كُنت آتي إلىٰ هنا و أشتري مِن جدّي تلكَ الأقلام و الدفاتر، خرجتُ بعدها لِأتنفس بعض الهواء، بدأتْ الساحة تكتظُّ بالناس و الطلاب، لكن في ذلك اليوم كان هناك شيءٌ غريب، لوحة مرسومة علىٰ حائط المدارس، كانت لوحةً جميلةً لِحديقةٍ مملوئه بالأشجار و الطيور، حقاً تُعبرُ عَن السلام و الوئام، فاتجهتُ إلىٰ صديقي الذي كان جالساً عند بابهِ المجاور لي، ألقيتُ التحية و سألتهُ: هل تعرفُ مَن رسم تلكَ اللوحة؟.أجابني: لا يهم مَن رسمها، بل المهم أنهُ يُحاولُ إيصالَ رسالةٍ مِن خلال تلك اللوحة، في اليوم التالي ظهرتْ لوحة أُخرىٰ، فيها رجلُ فقير يعطي خبزةً لِرجلٍ فقيرٍ آخر، و بعدها بيومٍ لوحةٌ لِبيتٍ محترق، ثم لِرجلٍ يطلق النار علىٰ أشخاص مرميينَ في حفرةٍ كبيرة، و في يومٍ آخر لوحةٌ لِأطفالٍ يلعبونَ علىٰ شكل دائرة، و ضَلَّتْ اللوحاتُ تتزايدُ على ذلك الحائطِ الكبير، و كل لوحةٍ تحملُ رسالةً أو قصةً معينة، كُلُّ لوحةٍ مرسومةٌ بِجوار السابقة، و الناس يتحدثونَ عن كل ما يجري، حتى سألتُه ذات يوم: هل ترى أن الشرطة مستائين مِن تلك اللوحات؟.أجابني: بالتأكيد، لأنهم يرون أن ذلكَ تخريبٌ للممتلكاتِ العامة، لكن سوفَ يُمسكونَ الفاعل في يومٍ ما، اليوم أو غداً. فقررتُ أن آتي سراً في منتصف الليل حتى أرى مَن الذي يرسم كل تلكَ اللوحات و لماذا؟، اختبأتُ كي لا يراني أحد، جاء ذلك الرجلُ يحمل معداتهِ و ألوانه، راقبتهُ حتى انتهى مِن رسم اللوحة، و إقتربتُ منهُ نزعتُ اللثام عن وجههِ، فإذا بهِ صديقي خالد، سألتهُ: لِماذا تفعل كُلَّ هذا، و أنتَ تعلم أنهم سَيعتقلونك؟ قال لي: إنها وصيةُ الذي كان يفعلُ ذلك مِن قبلي، كان لهُ دكان آخر في هذهِ الساحة، حتى بدأ يرسم اللوحات على هذا الحائط، قبل أن يعتقلوه، لكني كشفتهُ قبل أن تمسكهُ الشرطة، فَأوصاني أن أُكمل مسيرتهُ هذه، أن أرسم لوحات مِن هذا العالم في هذا المكان، و بعد عِدّةِ أيامٍ سمعتُ خبر اعتقاله، فَلم أرهُ مِن يومها، قامتْ الشرطة بصبغ كل اللوحات بالأبيض لِيرجع الحائط كما كان، فكرتُ بما قالهُ لي ذات يوم، حتى قررتُ أن أفعل مثلهُ جِئتُ في إحدى الليالي المظلمة إلى تلك الساحة، لكني لم أعرف ماذا أرسم، فنظرتُ إلى المكان و البنايات، و تخيلتهُ كما في النهار، تخيلتُ الناس ينظرون إلى لوحاتِ خالد و إلى لوحاتِ صديقهِ السابق، و ينظرونَ إليّ، فَاستدرتُ إلى الحائط و بدأتُ بالرسم حتى انتشرتْ الالوانُ مٍن الفرشات، فرسمتُ تلك الساحة نفسها و المدارس و المحلات و المقهى سيارات الشرطة في نهاية كُلِّ مدخل للساحة، و رسمتُ خالد تعتقلهُ الشرطة، و أخيراً رسمتُ الناس و كُلَّ ما كان موجوداً .