عذر سيدتي فدماءُنا لا تكفي لمواساتكِ
بقلم غالب خزعل
أعدت متكأ لها واستلقت على ظهرها بعد إن طلبت وسادة أضافية وطلبت من النساء اللواتي بجنبها أن يفسحن لها المجال في ذلك السردق المكتظ بالنساء , حاولت تلك المرأتين الانضمام بعضهن إلى بعض , ثم أردفت تقول نحن نريد أن ننام كفى همسا وكلاما ...!! ألستن متعبات ؟ نعم نحن متعبات لكن الذكريات تهز مضاجعنا ولم تترك لنا فرصة للنوم بصوت عال دعوني أنام . دعوني أنام . دعوني أنام .. المرأتان خفضت من صوتهما وكذلك همسهما فقالت لأختها وهي تحاورها السلام عليك يازينب السلام عليك يازينب ., كيف أنت يا أبنت علي هل غمضت عيناك في تلك الليالي التي سرت بها مع الأوغاد الذين لا يرقبون بالمؤمنين إلا ولاذمة في طريق الكوفة والشام هل طلبتي وسادة إضافية أم أمرت النسوة الابتعاد عنكِ لكي ترتاحي , لا نعرف بالضبط ما جرى عليك وأنت تحملين أمانات إخوتك من الصغار والبنات والنساء الأرامل أي وسادة وضعت رأسك عليها وأي فراش وهل تنامين وأنت تسمعين أنين النسوة الثكالى والأيتام ومن فوقهم أصوات الذين لا يخافون الله من زمر عبيدالله بن زياد وعمر بن سعد..
أجابتها لا ياأختاه أين زينب عليها السلام من ذلك كله فهي تارة تحرس الأطفال ووطر في خدمة الأرامل وفي هدوة الليل تقوم للقاء ربها لتؤدي صلاة الليل هكذا تمضي الليالي والأيام , فالأطفال والنساء الأرامل والمجوعات ينمن على وسائد من الحجر وفراشهن كثبان الرمل هذا إذا كانت واحدة منهن تنام فألم الفاجعة آنساهن كل شيء إلا ذكر الله وشكره على ما كتب وانعم (لكن في العيون عبرة والقلوب حره على قتل النجباء بسيوف الطلقاء ) قطعت حديثها بقولها أين نحن من تلك القافلة وأين نحن من صبرهن لا حماة لهن إلا مريضا يأكل الحديد من جسده وأطفال تشتكي العطش في لحظة ما تمر عليهم لان الأوغاد أبوا أن يسقوهم الماء أو يقدموا لهم الطعام , أضفي إلى ذلك رفضهم إلى الصدقات صغارً وكبارً لا يأكلون منها لأنهم عرفوا أنها لاتحل عليهم وكانوا يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ليلا ويسيرون نهارا دون توقف إي ركبتان وأي أرجل تتحمل ذلك المشي المغصوبين عليه .
فتسألت الأخرى أين تحملنا نحن نساء اليوم من سيدتنا ومولاتنا زينب عليها السلام ؟! فكل الطرق التي تؤدي إلى كربلاء يقدمون لنا فيها الطعام والشراب ولانجوع ولانظمأ أبدا وعندما يحل الظلام ندخل تلك السرادق التي أعدت للزائرين لننام مرتاحين لايرهقنا تعب ولانصب ولاقتر ولاذله وننكأ على أنظف الوسائد والأريكات إلا بعض ما يتسبب به الزحام لزيادة أعداد الزائرين في كل عام لكن مواكب الخدمة تزداد سنة بعد أخرى ولم يحتج الزائر إلى أي شيء فقط إخلاص النية والعمل لرضا رب العالمين والسير في نهج الإمام الحسين عليه السلام في طلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صل الله عليه واله وسلم , سألت أختها وماذا علينا نحن النسوة ؟!
قالت علينا الشكر لله على هذه النعمة ولا نتذمر إذا مسنا نصب أو تعب أو نقص في خدمه هنا أو هناك والاقتداء بسيدتنا ومولاتنا زينب عليه السلام في العفة والصبر وحسن الخلق ولا نتبرج تبرح الجاهلية الأولى ونحافظ على الصلاة في أوقاتها وأداء الأمانة ونصبر عند البلاء فانه درجة للأنبياء وكرامة للأوصياء وامتحان للمؤمنين وان نعمل على تربية الأولاد على طاعة وحب أهل بيت رسوله الكريم محمد صل الله عليه واله وسلم وكذلك نتعلم الإيثار تجسيد لقوله تبارك وتعالى ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 )) وان نزور الأرحام ونواسي الضعفاء أو من حلت بهم مصيبة
استدركت تلك المرأة التي تشاجرت في أول الليل معهن واعتذرت إليهن عما بدر منهن , وقالت كل هذا مر بك يائسدتي ومولاتي زينب وأردفت بتساؤلها لنفسها كيف فاتني ما حدث لتلك النسوة عذر سيدتي عذر فدتك نفسي وأهلي فلقد بلغت من لدني عذرا على ما فأتني من تحملك الشدائد والمصاعب وأنت تسيرين والنساء والأطفال بلا حماة ولا رجال ولا طعام ولا ماء ثم أردفت المرأة التي بجانبها بسؤال هل أصبتي بحرارة لا سامح الله او أصبتي بأي مرض ؟ لقد أصبيت نساء القافلة بالحرارة الشديدة التي كادت تودي بحياتهن أو أصبتي بمرض المفاصل ,فهنا الكثير من اللواتي يخدمننا ويسهرن على راحتنا وان احتاجت احدهن إلى طبيب هرع الجميع لإيصالها إلى اقرب مركز صحي , وهل تعرفين إذا اشتكت امرأة من النسوة اللواتي يمشين بقافلة الأسر يتداعى لها الجلادون بالضرب والزجر , ونحن يتداعون لنا بالخدمة وتقديم ما لذ وطاب من الاطعمة والشراب وحتى الدواء . اعتذرت تلك المرأة وقالت علينا أن نقتدي ونتعلم الصبر من صاحبة الصبر سيدتنا ومولاتنا زينب عليها السلام ويتحمل بعضنا بعضا ونغض الطرف عما يصيبنا من مكروه في طول الطريق فنحن سائرين غير مجبرين نبتغي مرضات الله بودنا ومحبتنا للإمام الحسين عليه السلام وما قدمه من تضحيات في سبيل الله تعالى فعذر سيدتي ومولاتي زينب فحياتنا وما تحملناه من ألم المسير لايكفي للمواساة...